للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستند لهم إلا زعمهم أنهم أهل الكتاب الذي أنزله الله عز وجل على موسى، ثم لم يمنعهم ذلك إذا أرادوا أن يبالغوا في تكذيب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء. قال الله عز وجل: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: ٩١].

والمقصود أن ما تُحدِثه الشبهة من الوسواس في الصدر قد يقوى حتى يدافع اليقين.

وأما الثاني، أعني البراهين اليقينية، فمحاولة دفعها بالظن أوضح؛ لأنه لا يلزم من ذلك اجتماع الظن واليقين لرجل واحد، بل قد يكون سبقت إلى نفسه شبهة وافقت هوى فأورثه ذلك ظنًّا، ثم لما دُعي إلى خلاف ذلك، وعُرِضت عليه البراهين اليقينية، أعرض عنها ولم يتدبَّرها، وحاول دفعها عن نفسه بما عنده من الظن.

وقد يكون موقنًا بما قامت عليه البراهين ولكنه جاحد معاند، كما قال موسى لفرعون ــ فيما قصه الله تعالى ــ: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: ١٠٢].

وقال الله عز وجل في الآيات التي أراها الله تعالى فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]. فمن كان هذه حاله فإنه يلفِّق شبهاتٍ من شأنها أن توقع ترددًا ما، أو من شأنها ــ لو لم يكن في مقابلها برهان ــ أن تكون غايتها أن تقتضي ظنًّا، ثم يحاول أن يدفع بها البراهين.

<<  <   >  >>