للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا نُقل عن جماعة من أهل القرون الأولى قول ولم يُنقل خلافه عن أحد منهم، ثم وجدت أنت دليلًا يدل على خلافه، فهذا الدليل لن يكون إلا ظنيًّا في نفسه، والدليل الظني في نفسه تُوهنه الأمارات والقرائن الدالة على خلافه.

فإذا وجد طالب الحق دليلًا من تلك الدلائل، ثم نظر في أدلة الإجماع، ما أراه إلا سيرتاب في صحة ذلك الدليل. فإذا كان الأمر كذلك دل هذا على بطلان ذلك الدليل في نفسه؛ لأنه لو كان من الحق [ص ٣٦] لحفظه الله تبارك وتعالى حفظًا تقوم به الحجة، وتطمئن إليه النفس.

وعلى كل حال، فليس مقصودي هنا البتّ في هذه القضية، وإنما نبهت على ما قد يخفى. وعلى العالم أن ينظر لنفسه، ويحتاط لدينه، متضرعًا إلى مقلب القلوب سبحانه أن يثبِّت قلبه على دينه، ويهديه لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه، والله المستعان، لا رب غيره.

السادس مما ذكروا أنه يفيد العلم من الأخبار: أن يخبر إنسان بخبر بحضرة قومٍ لو صدَّقوه حصل العلم بصحة الخبر، ولكنهم سكتوا، ولا حاملَ لهم على السكوت عن تكذبيه لو كان كاذبًا.

أقول: الشأن في قولهم "ولا حاملَ لهم"؛ فإذا فُرِض انتفاء كل حامل من الحوامل الممكنة قطعًا فذاك، ولكن هذا مما لا يكاد يتفق؛ فإن الحوامل كثيرة، منها: أن لا يكونوا علموا ــ أو جماعة منهم ــ صدقه ولا كذبه.

ومنها: أن يكون لهم ــ أو لمن عرف كذبه منهم ــ هوًى في إيهام صدقه.

ومنها: أن يخافوا ــ أو العارفون بكذبه منهم ــ من شره.

ومنها: أن يتهاونوا به؛ لأنهم يرون أن كذبه واضح.

<<  <   >  >>