للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

) أقول (يرد على هذا الجواب أن اجتنبوا لا يتعدى بمن بل هو متعد بنفسه قال تعالى) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه (الآية وقال تعالى) فاجتنبوا الرجس من الأوثان (وإن حملناه على زيادة من يرد عليه إن من تزاد إلا في البكرة الواقعة بعد نفي أو شبهة إلا على قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه. وأيضاً الحرف الزائد لا يتعلق بشيء. ويمكن أن يجاب بأن قوله تعالى من الظن متعلق باجتنبوا على سبيل التضمين. والمعنى اجتنبوا متباعدين من الظن أو تباعدوا من الظن مجتنبين له اجتناباً كثيراً في الاجتناب معنى التباعد وهو يتعدى بمن قال تعالى) وما هي من الظالمين ببعيد (فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم. ويمكن أن تحمل الآية على زيادة من ويكون المراد من قوله من الظن متعلق باجتنبوا التملق اللغوي الذي هو الارتباط بين الشيئين كتعلق المفعول بالفعل. ولما كان الاجتناب عبارة عن الكف عن الفعل كان فيه معنى النفي والظن معرفاً بلام الجنس وهو في المعنى نكرة صح زيادة من فيكون معنى الآية واجتنبوا الظن اجتناباً كثيراً لأن بعض الظن إثم فلا يأمن من لم يجتنب الظن أن يكون ظنه من بعض الظن الذي هو إثم فينبغي تركه بالكلية. والمتبادر من الآية كما ذكره المفسرون أن كثيراً مفعول به لاجتنبوا ومن في قوله تعالى من الظن بيانية كما في قوله تعالى) واجتنبوا الرجس من الأوثان (وعلى ما ذكره شيخ الإسلام من أن كثيراً واقع موقع المفعول المطلق وأن من الظن متعلق باجتنبوا ينبغي أن يكون نظم الآية واجتنبوا من الظن كثيراً دفعاً لما يتوهم من الإشكال المذكور كما قدم من آل فرعون على متعلقه في قوله تعالى) وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه (لئلا يتوهم تأخيره عنهم أنه ليس منهم. والأولى بقاء الآية على ما يتبادر منها ويقال في الجواب عن الأشكال أن الظن على نوعين حسن وسيئ والسيئ أكثر وقوعاً من الحسن لما جبلت النفوس عليه من سوء الظن والتنوين في كثير للتنويع والمعنى النوع الكثير الغالب الوقوع من الظن وهو الظن السيئ لأنه إثم. ويحتمل أن تكون من للتبعيض والآية من قبيل المجمل المبين بالسنة بالظن السيئ كما في قوله تعالى) فامسحوا برؤوسكم (فإنه مجمل مبين بالسنة بمسح الناصية وإلا فليس كل ظن منهياً عنه بل بعضه واجب كظن المجتهد وبعضه مستحب كالظن الحسن بالمسلمين والبعض مباح كالظن بوجود المطر عند وجود الغيم والمعنى اجتنبوا بعض الظن وهو السيئ اجتناباً كثيراً لأنه إثم وعبر بالظاهر لئلا يتوهم عود الضمير إلى مطلق الظن فيلزم أن يكون مطلق الظن إثماً وليس كذلك والله تعالى أعلم انتهى.

<<  <   >  >>