للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

) ومنها (ما جرى في قولهم) ما وراء محدد الجهات وهو الفلك الأطلس وفلك الأفلاك بلسان الفلسفة والعرش بلسان الشرع على ما يزعمه بعض الخلفيين لا خلاء ولا ملاء (وذلك أنه أورد عليه أن لو فرض ثاقب للمحدد فأما أن لا يصادف مانعاً فيخرج. وأما أن يصادف ذلك فلا يخرج وعلى الأول يلزم الخلاء وعلى الثاني يلزم الملاء. فقال سلمه الله تعالى أنهم اختاروا في الجواب الشق الأول ومنعوا لزوم الملاء بجواز كون المانع في المحدب نفسه وهو السطح الأعلى المحدد. فقلت ونحو هذا ما قيل في الاعتراض أنه لو فرض شخص عند منتهى العالم فأراد أن يمد يده مثلاً فيلزم الخلاء وأما أن لا تمتد لمانع يصادمها فيلزم الملاء. وما قيل في الجواب من اختيار عدم الامتداد والتزام أن النقد الشرط لا لوجود المانع الصادم. وأن من الناس من اعترض على قولهم ذلك بأنه يلزم عليه عجزه سبحانه وتعالى عن توسيع هذا العالم أو خلق عالم مثله مع بقائه وهو باطل. فلا بد من القول بأن وراء هذا العالم بعداً غير متناهٍ يصلح لأن يوسع العالم فيه أو يخلق عز وجل فيه ما لا يتناهى من العوالم. لكن على نحو عدم تناهي مراتب الأعداد الذي لا يأباه برهان التطبيق وغيره من البراهين المقامة على امتناع وجود ما لا يتناهى بالفعل. وهذا الخلاء من حيث الصلاحية للخلق فيه نحو الخلاء والبعد الذي خلق فيه هذا العالم) وأجيب (بأنه قد قام الدليل على امتناع الخلاء وذلك على تقدير عدم الخلاء محال. وهو لا يصلح متعلقاً للقدرة ليلزم العجز. ومثل ذلك خلق عالم فيما شغله هذا العالم بل خلق بعوضة في هذا العالم مع بقاء جميع أجزائه على حالها. فإنه أيضاً محال للزوم تداخل الجواهر المبرهن على محاليته فلا تتعلق به قدرته عز وجل. ولا يلزم من ذلك عجزه تعالى عن ذلك علواً كبيراً) والحاصل (أن ما ذكره المعترض من لزوم عجزه تعالى ممنوع. ثم قلت يا مولاي أنا بعد هذا كله لا أرى محذوراً في القول بأن وراء العالم مثل ما العالم فيه. إلا أنه خالفه في سعته وعدم تناهيه. وأدلة استحالة الخلاء. مدخولة عند محققي العلماء. بل لا يبدو وقوعه في هذا العالم إذا وضع جسم ذو سطح صقيل مستوٍ استواءً حقيقياً على آخر مثله بحيث لا يتخللهما هواء ثم رفع الفوقاني دفعةً. فإن الوسط يبقى خالياً إلى أن يصل إليه الهواء من الجوانب تدريجياً حسب ما تقتضيه الحركة. وكلما كان الجسمان المذكوران متسعين كانت مدة بقاء الخلاء أطول لطول زمن الوصول إلى الوسط. وبلغني أن بعض الطبيعيين من الفلاسفة المحدثين يخرجون الهواء من بعض الظروف كقارورة كبيرة ببعض الآلات بحيث إذا ألقوا فيه رصاصة وريشة مثلاً معاً يصلان إلى المقر في آن واحد. وهو ظاهر في الخلاء دون بقاء هواء تلطف وانتشر حتى ملأ الظرف وإلا لعاق الريشة عوقاً ما فلم يتحد آن الوصول. وإن لم يسلم شيء من ذلك كفانا إن أدلة استحالة الخلاء. أوهن من بيت عنكبوت في خلاء. ويفهم من كلام بعض الأجلة السلفيين إن الله تعالى شأنه لم يخلق العالم يوم خلقه في ذاته بأن جعل ذاته محلاً له ولا أنه سبحانه كان فيه ككون الصورة في الهيولي ولا أنه خلقه عليه جل وعلا بأن جعل نسبته إليه نسبة خيمة الملك إلى الملك. وتعالى الله أن يكون كدودة القز تبني على نفسها ما يحيط بها من القز بل كأن عز شأنه لا في مكان وخلق العالم دونه وبقي هو على ما كان فما وراء العالم لا العالم) الرحمن على العرش استوى (.) أأمنتم من في السماء (.) إليه يصعد الكلم الطيب (.) ذو المعارج تعرج الملائكة والروح إليه (فهو جل شأنه. وعز سلطانه. في جهة العلو على الوجه اللائق به مع نفي اللوازم المستحيلة عليه سبحانه وتعالى. وأدلة كونه تعالى كذلك من الآيات والأحاديث والآثار أكثر من أن تحصى. وأوفر من أن تستقصى. وفيما يجده كل أحد في نفسه من الميل الطبيعي الضروري إلى جهة العلو في الاستمداد حالتي الرغبة والرهبة شاهد قوي لذلك. حتى قيل أن الفخر الرازي لما أورد عليه ذلك الهمداني بعد أن فرغ من تقرير الأدلة العقلية على نفي الجهة قام من مجلسه وهو يقول حيرني الهمداني حيرني الهمداني. ولم يزل يقولها حتى دخل بيته. فعلى هذا يصح أن يقال ما وراء العالم لا خلاء ولا ملاء. لكن بغير المعنى الذي أراده الحكماء. ويجامع ذلك القدرة على توسعة هذا العالم وعلى خلق عوالم مثله أما عظم منه

<<  <   >  >>