للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولما قرت عيني بالإياب وفرت عني ولله الحمد آلام الاكتئاب وفزت برؤية الأهل والعيال وفريت بطن عادي الفراق بشفرة الوصال أحببت أن أفرد كتاباً أجمع فيه مجمل ما كان ذهاباً وإياباً وربما أحل في رحابه مشكلاً وأتصل في بعض أبوابه مجملاً وأستوفي حسب الإمكان ما كان لي في الإقامة معرضاً عن أشياء لم يمكنني ذكرها إلى يوم القيامة مترجماً بعض الأجلة مطلعاً في سمائه شموساً وبدوراً وأهله مبتدئاً بترجمة نفسي مع أني أحقر أبناء جنسي بل أهون من تبنه في لبنه ومن قلامه في قمامه ومن ذره بجنب دره ولكن قد تتقدم الخدم بين يدي السادة وتؤدي النافلة قبل فرض العبادة ومكان رقم الآحاد قبل مكان رقم عشرات الأعداد ولا يفسر الورد تأخره عن أغصانه ولا السنان كونه في أطراف مرانه مستطرداً سبب رحلتي وتحملي ما لاقيت في سباسب غربتي سالكاً في كل ذلك سبيل الاختصار والاقتصاد خوفاً من الملل الذي جبل عليه أكثر العباد وسميته " غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب " سائلاً منه أن لا يذيق مقامي صاب الافتراء على بري ولا يريق مداد ذمي على أبيض الثياب نفي وهو سبحانه العاصم في الفواتح والخواتم وكأني بك تجده إن شاء الله تعالى كتاباً تشد إليه الرواحل وتطوي لنيل المنى من فصوله وأبوابه المنازل حيث تضمن مباحث لطيفة ومطالب شريفة ورسائل تقطر ظرفاً ومسائل ترشح لطفاً بنثر قرب حتى اطمع وبعد على المتناول حتى امتنع كأنه من شرخ الشباب مسروق ومن لذة وصال الأحباب مخلوق بل لعمري لو أن كلاماً أذيب به صخر أو أطفئ بما يرشح من أهابه جمر أو عوفي بمعانيه مريض أو أجبر بمبانيه مهيض لكان هو ذلك الكلام الذي يقود سامعيه من بني الآداب إلى السجود ويجري في شرايين قلب واعية من ذوي الألباب جري الماء في العود لكني لم ألتزم في جميعه هذا النثر وأي روض كله عطري الزهر وأصابع الكف غير متساوية في الوصف وليست كل آية أن تعي فاغرة فاها بفصاحة يا أرض ابلعي وما كل نجم سيار ولا جميع أجزاء الليل أسحار على أني كثيراً ما أترك النثر بالكلية وآتي بدله بعبارة أرجو أن تكون عند المنصف مرضية وذلك لتكون مائدتي للآذان ذات ألوان وأشربتي للأذهان ذوات خمور وألبان فالطعام الواحد يمل، وإن حلا وجل، وأكثر الأسماع اليوم طبيعتها إسرائيلية فهيهات أن تصبر على طعام واحد وإن كان من أطعمة شهية، هذا مع أن ذهني بأيدي التجليات، فربما لا تسلمه بيدي لأنسج به بعض الفقرات، وقد يشرد مني، ويكون مناط الثريا عني، فأضطر إلى كلام مغسول، لا أعقل فيه سوى أنه معقول، فرحم الله تعالى امرأً عذر وقنع مني بما حضر) ولنشرع بمقصود الكتاب (مما في نزهة الألباب متوكلين على مولى العباد، ومن منه تعالى المبدأ وإليه سبحانه المعاد) فأقول (خرج خالص لبن وجودي من بين فرث العدم ودم الإمكان، بيد حازب القدر إلى قعب عالم العيان، قبيل ظهر الجمعة رابع عشر من شعبان وذلك سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف، من هجرة من لا يحيط بكماله نطاق وصف صلى الله تعالى عليه وسلم ما ولد مولود، وما وجد في عالم الكيان موجود، وقد أرخ عام ولادتي بكل من شطور بيتين تراهما عين الأديب لخد غانية الفصاحة كسالفين، الشاعر المجيد الأطرقجي الملا عبد الحميد فقال:

لقد أشرق البدر السماوي من بدا ... سنا نوره عن مشرق لاح بالجود

أكمل الدين الحنيف مؤرخ ... تكلمت العليا بميلاد محمود

<<  <   >  >>