للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم أنهم لما رأوا إبائي وإصراري على العود إلى ديار آبائي. صمموا أن يعرضوا ذلك لحضرة السلطان عبد المجيد خان. بن السلطان الغازي محمود خان. ويطلبوا منه الأمر بالبقاء. في ذلك الفناء. فجعلت أرجو منهم فسخ هذا التصميم. وأتوسل إليهم بحرمة القرآن العظيم. والرسول الرؤوف الرحيم. عليه من الله تعالى أفضل الصلوة وأكمل التسليم. فأظهروا الفسخ. وله في قلوبهم رسخ. فبقيت على وجل. أتضرع إلى الله عز وجل. ولذلك لم أطلب مواجهة السلطان. دام ملكه ما دام الدوران. واتفق يوماً أن جاءتني حسب القانون المقرر تذكرة من الباب العالي. أدعى فيها لاجتلاء طلعة البدر المتلألئ. والتشرف بالحضور. لدى حضرة السلطان المؤيد المنصور. وكان قد شرف الباب وأهله. عملاً بعادة أسلافه السلاطين قبله. فذهبت ووردي يا ملك الملوك وعلى الشأن. حل بيني وبين. مواجهة السلطان. كل ذلك خوفاً من أن يأمر بإقامتي. فتقوم علي بذلك قيامتي. فعندما وصلت إلى الباب أخذ بي إلى حجرة التشريفات. فقال اقعد يا مولانا حتى يأتي إليك من حضرة الصدر الأعظم آتي. فقعدت مشغولاً بالدعاء. مبتهلاً إلى باسط الأرض ورافع السماء. فلم يكن إلا مقدار غلوة سهم. فإذاً برسول الصدر الأعظم. فدخل علي الحجرة. وقبل يدي جهرة. فقال يا مولانا غفراً لما كان. فقد عاد إلى محله حضرة السلطان. فعادت إلي من هذا الخبر روحي. وكدت أطير بجناحي فرحي وروحي. فقلت ما أعجل ما طوى البساط. فقال إنه لم يكن لحضرة السلطان انبساط. حتى أنه لم يكلم أحداً من الرجال. ولم يكلمه أحد منهم لما علاه من الجلال. ولم يعرف لذلك سبب. ولم يدر ما أوجب ما وجب. ثم أن حضرة الصدر الأعظم. وسنام المجد الأكرم. استأذن الحضرة السلطانية في مواجهتي في المآبين. فإذن أيده الله تعالى إلا أنه لم يعين وقتاً تجتلي فيه طلعته العين. وكان ذلك بعيد أن قضيت بفضل الله تعالى ما جئت له من الوطر. وقيل أن أحكم عرى التصميم على ترحيل مشمعلة الرحيل والسفر. فلما أحكمت العرى. ذهبت إلى وداع حضرة ذلك الصدر الذي وسع الورى. فقال ما هذا السفر في هذا الزمان. وغداً أو بعد غدٍ يطلبك للحضور حضرة السلطان. فقلت يا مولاي عراني عوفيتم داء. ليس له عند. غير رياضة السفر دواء. وأنا حيثما كنت داعٍ للدولة العلية. لا سيما لشمس سمائها الطلعة المجيدية. فنفس عني بقبول عذري إلا أنه تنفس الصعداء. وأسر شيئاً إلى حضرة مفتي المجلس عارف أفندي كان منه كالنقطة من الباء. فرأيته تنفس كما تنفس. وأردف ذلك بالاستعاذة بالله تبارك وتقدس. وقد وقفت على تفصيل ذلك السر نقلاً. وكنت وعلام الغيوب أعرفه من قبل عقلاً. بيد أني كنت أخاف أن أحدث به نفسي. فضلاً عن أن أخبر به أحداً من أبناء جنسي. وأنا الآن لا أستطيع إظهاره. ولا يجوز ديني وعقلي إلا إضماره. لكني أقول وذلك نفثة مصدور وآلة مجهود. تعساً لمن يدعي الربوبية على مثلي ويسجد لتوهم ضررٍ ما لقرودٍ رقود. ثم أنه بعد أن وادعت الصدر الأعظم. ذهبت فوادعت حضرة شيخ الإسلام وولي النعم. فشق عليه وداعي. ورق علي حتى سرحني من حسن توجهه في خير المراعي. وبشرني بحصول المأمول بعبارات ترفعت عن المجاز. ووعدني بكل مسؤول وعداً تخيل لي أنه يتعثر بالإنجاز. وأعطاني ساعة. وقال اخترتها لدقيقة هي أن تذكرني كل ساعة. وأبدى لي من الشفقة ما ظننت أني أقتاد بها الجوزاء. وأصطاد بحبائلها العنقاء. لكن الدهر أبو العجب. والزمان عدو لأبناء الأدب.) وفي اليوم الثاني (ركبت سفينة الدخان. وتوجهت متوكلاً على الله عز وجل إلى الأوطان. حتى إذا حللت في آمد السوداء. تحقق عندي عزل وزير الزوراء. وأنه قد نصب بدله حضرة رشيد باشا الكوزكلي. أحد موالي حضرة خسرو باشا ذي الصيت الجليل الجلي. فأصر علي حضرة عبدي باشا بانتظاره. لا ذهب في معيته إلى إيالته وغاية أوطاره. وساعده على سوء الطالع. ونحوسة نجمي الراجع. فبقيت في آمدانا وبرذوني بحالٍ عجيب. وأنى وقياربها لغريب. حتى إذا أشرف ذلك الكوزلكلي المشير. الذي ما رأى له بدرابين الأخبار وإرصاد التواريخ نظير. خرجت في معيته من آمد السوداء. وقد غلبت على عوفيت مرة الصفراء. وفي أثناء الطريق جعلت تعركني الحمى عرك الأديم. وتحركني ولكن في مهد السقم كما تحرك الأم في المهد الفطيم. فدخلت بغداد أنا والحمى قاتلها الله تعالى في جلود لا دباغ

<<  <   >  >>