للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقال صاعقة لم يرسلها الله إلا على، ثم قال لوكيله أدفع إليه خمسة عشر درهما. فقال: يا سيدي ما لهذا القدر رونق، أما عشرة أو عشرين، فقال: أدفع إليه عشرة فقال له الوكيل ما قلت لك هذا إلا لتطلع همتك ولا يكون كلامي شرفا على الرجل فقال: يا هذا دع الفضول فغنما أنت وكيل لا مشير فقال فارجع إلى الحال الأول فحرد وحلف إلا يعطيه شيئا فتحيل الوكيل في خمسين درهما، ودفعها إلى عبيد الله فسمع ذلك ابن عطاف فقال له: من أنت في الكلاب حتى تعطي خمسين كأنك معن بن زائدة أو جعفر البرمكي مثلك لا يستخدم فصرفه فقدر الله موت الوزير فتزوج الوكيل زوجته وسكن داره فقال في ذلك عبيد الله شعرا أوله:

أيا دار قولي أين ساكنك الذي ... أبى يومه أن يترك الشكر خالدا

وأضحى وكيل كان يأنف فعله ... نزيلك في الحوض الممنع واردا

فقلت: أين هذا من مالك بن طوق رحمه الله عليه فإنه كان جالسا في بهو مطل على رحبة ومعه جلساؤه إذ أقبل أعرابي نخب به ناقته فقال: إياي أراد ونحوي قصد، لعل معه أدبا ينتفع به ثم أمر حاجبه بإدخاله فلما مثل بين يديه قال ما أقدمك يا أعرابي قال: المل في سيب الأمير والرجاء في نائله، قال: فهل قدمت أمام غرضك وسيلة، قال: نعم أربعة أبيات قلتها نظما، قال: فهل لك أن تنشدنا أبياتك ولك أربعة آلاف درهم، فإن كانت أبياتك أحسن فقد ربحنا عليك وإلا فقد نلت مرادك وربحت علينا، قال: قد رضيت:

وما زلت أخشى الدهر حتى تعلقت ... يداي بمن لا يتقي الدهر صاحبه

فلما رءاني الدهر تحت جناحه ... رأى مرقا صعبا منيعا مطالبه

رءاني بحيث النجم في رأس باذخ ... يظل الوري أكنافه وجوانبه

فتى كسماء الغيث والناس حوله ... إذا أجدبوا جادت عليهم سحائبه

قال ظفرنا بك يا أعرابي، والله ما قيمتها إلا عشرة آلاف درهم قال: فإن لي صاحبا شاركته فيها ما أراه يرضى ببيعتي، قال: أترى حدثت نفسك بالنكث، قال: نعم، وجدت النكث في البيع أسهل من خيانة الشريك فأمر له بها وأخبرني، قال: دخل المظفر الأعمى على الملك الكامل فقال له الملك نصف هذا البيت: وأنشد بديها: قد بلغ الشوق منتهاه.

فقال المظفر: وما درى العاذلون ما هو؟ فقال الملك: وغنما غرهم دخولي.

فقال المظفر: فيه فهاموا به وتاهوا.

فقال الملك: ولي حبيب رأى هواني فقال المظفر: وما تغيرت عن هواه فقال الملك: رياضة النفس في احتمالي فقال المظفر: وروضة الحسن في حلاه فقال الملك: أسمر لدن القوام ألمي فقال المظفر: يعشقه كل من يراه فقال الملك: ريقته كلها مدام فقال المظفر: ختامها المسك من لماه فقال الملك: ليلته كلها رقاد فقال المظفر: وليلتي كلها انتباه فقال الملك: وما عسى من يهين عبدا فقال المظفر: بالملك الكامل احتماه.

وكانت بيد الملك رقعة يكتب فيها كل ما نظمناه فرمى بها تجنبا أن يكتب مدحه بيده، ثم زاد المظفر بعد ذلك وأخبرني قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن حماد القطان التونسي قدم علينا حاجا قال: حدثني الشيخ أبو محمد المغرياني، قال: لما جئت برسم الحج إلى الديار المصرية تعرفت بشيخ من المتصفة، فقال لي: أريد أن أجمع بينك وبين الأمير ابن يغمور فأجبته: إلى ذلك فجئنا إليه وهو في بستان فاستأذنا فأذن إلينا، وأمرنا بالجلوس، فجلسنا وبين يديه مملوك صغير حسن الصورة، ومماليك أخرى بين يديه. . . وبين يديه محبرة، فقال له الشيخ عني، هذا الرجل أديب فاضل يقول الشعر فسر بذلك وأخذ غرارة وكتب فيها من نظمه:

لاح بدرا وتثنى غصنا ... فحكى الشمس سناء وسنا

ثم نادى الحسن هل من عاشق. . . ثم قال لي: أجز هذا البيت فارتج على زمانا، إذ دخل نوتي من المركب فقال لبيك، فألهمني كلامه فقلت:) فأجاب القلب لبيك أنا. . . (فاستحسن ذلك ووصلني، وأخبرني قال صنع بعض الفضلاء ببغداد طعاما ودعا إليه الناس فأجابوا دعوته وكان في جملتهم أبو العباس المبرد فلما فرغوا من أكلهم دعا رب المنزل جارية له خلف ستر، وقال لها: اسمعينا شيئا فقالت:

وقالوا لها هذا حبيبك معرض ... فقالت ألا أعراضه أيسر الخطب

فما هو إلا نظرة بتبسم ... فتصطك رجلاه ويسقط للجنب

<<  <   >  >>