للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقام كل من كان في المجلس وطابوا بأجمعهم وداروا إلا أبا العباس فلم يقم ولم يتحرك. فقال له رب المنزل: لِمَ لَمْ تقم، فقالت الجارية: دعه يا سيدي إنما لم يقم لأنه ظن أني لحنت في قولي، هذا حبيبك معرض، ولم يعلم أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قرأ وهذا بعلي شيخا فقام فطرب حينئذ أبو العباس وطاب، وقام ودار حتى شق ثوبه) وأخبرني (قال حضر ابن حجاج البغدادي وليمة فتأخر الطعام فكتب لصاحبها:

يا ذاهبا في داره جائيا ... لغير معنى وبلا فائدة

قد جن أصحابك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة

وجميع ما أنشدني من القصائد والمقطوعات يحتمل سفرين كبيرين، وقد تقيد لي جميع ذلك في غير هذا بخطى وبخطه رضي الله عنه فما لخصت منه هنا ما أنشدنيه لمهلل الدمياطي:

يا بانة الرمل هل مرت بك الإبل ... وساحة الشيح هل حطت بك الكلل

ويا عرب النقى هل للقا أمد ... ويقتضي بحماكم ذلك الأمل

رحلتم بفؤادي يوم رحلتكم ... وبين جنبي قد حلت لكم حلل

وحقكم ويمين الحب صادقة ... قلبي بغير هواكم ليس يشتغل

يا سائق البدن بالبطحاء فقف نفسا ... لعل عيني بحسن القوم تكتحل

بدر تمام من الأكوان مطلعها ... في القلب والطرف قد حلوا وقد نزلوا

يا للرجال عسى خل يعين فتى ... حلف الغرام رمته الأعين النجل

قد دار بالوجد حتى شاب مفرقه ... ومارس الحب حتى جاءه الأجل

وأنشدني لتاج الدين السرخدي:

تأنوا ففي طي النسيم رسائل ... وميلوا فإن البان بالسفح مائل

وما مال إلا للسؤال ... حديث هوى فاستحدثوه وسائلوا

روى خبرا عن بان نعمان مرسلا ... وأسند عنه ما حكته الشمائل

خذوا عن يمين البان قد بلغ الهوى ... أواخر لم يدرك لهن أوائل

وقصوا غرامي للنسيم فإنه ... غريمي إذا ما هيجتني البلابل

وميلوا إلى رمل الحماعل سربه ... تلاحظكم غزلانه وتغازل

وإن سؤالي للنسيم علالة ... كما أن دمعي للمنازل سائل

وأنشدني لعلي بن مسعود الحلبي المعروف بالذهبي وهو من شعراء الملك الناصر:

إلى كم تراني يا خليا من الوجد ... وتعرض عن بثي وتخلف لي وعدي

وكم فيك جرعت الهوان بمنزل ... علمت به أن المنازل لا تجدي

أعيد وأبدي ما أحس من الهوى ... على رسم دار ما يعيد وما يبدي

وبرق تراءى من تهامة موهنا ... فأوهمني قرب المزار على بعد

سرى خافقا من أيمن الغور مهديا ... إلى الماء والجمر المضرم في نجد

وأضحى على وادي الأراك مخيما ... يلوح ويخفى مثل حاشية البرد

لك الله يا برق الغضا، أن للغضا ... بقلبي ما للنار من مهجة الزند

وأنشدني لكافور بن عبد الله الخصي خادم روضة النبي صلى الله عليه وسلم وهي قصيدة طويلة:

أولها: وحق الهوى ما هبت الريح من نجد ... على كبدي إلا تلوت من الوجد

وإن لاح برق من ثنية لعلع ... ذكرت به برق الثنية من هند

هلالية تحكي بوجهها ... إذا لاح في ليل من الفاحم الجعد

على أنني ما زلت منذ علقتها ... على حالة مذمومة العهد من عهد

فأما على شوق يتاح إلى الثوى ... وأما على وصل ينغص بالصد

أردية الخدين من ترف الصبا ... ويا بنت ذي الأقدام بالفرس الورد

صلي واغنمي شكرا فلا وردة الربا ... تدوم لجانيها ولا وردة الخد

خليلي أن الصدر ضاق عن الجوى ... فلا تعذلاني واتركا النار في الزند

وأنشدني للشريف بن الجلاوي الموصلي:

حكاه من الغصن الرطيب وريقه ... وما الخمر إلا وجنتاه وريقه

هلال ولكن أفق قلبي محله ... غزال ولكن سفح عيني عقيقه

على خده جمر من الحسن مضرم ... يشب ولكن في الفؤاد حريقه

على مثله يستحسن هتكه ... وفي حبه يجفو الصديق صديقه

أحن إليه كل حين صبابة ... وقد سد من بعد المزار طريقه

وأشتاق أكناف الحماحين حله ... ومن ذا الذي ذكر الحما لا يشوقه

وأنشدني لأبي مختيار الأبله البغدادي المشهور برقة القول في الغراميات:

بأي لسان للوشاة آلام ... وقد علموا أني سهرت وناموا

<<  <   >  >>