للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بنهر كالسجنجل كوثري ... تعاين وجهها فيه السماء

) وبحر النيل (العجيب قد فاض فيضا، وركضت سيوله في البسيطة ركضا وزاد امتلاؤه على حده فسقى بالزيادة أرضا، وانسلت صلاله فسكنت الرياض، وقد يسكن الصل روضا، وتلك الأساطيل قد صففت من حوله صفوفا، وكفت من موجه كفوفا، وسلت لأعناقه من مجاذبها سيوفا كثيرا ما كنا نركبه ولا نرهبه، ونستصحبه ولا نستصعبه، نرد على طريق إليه ونعوج عن غيره، ونعرج عليه، ومع ذلك نواخي الفضلاء ونوالي العلماء فممن لقيته بمصر من كبراء المتصوفين، وفضلاء المتبتلين العابدين الشيخ العالم الصوفي الولي نجم الدين، أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف القرشي الحجازي نفع الله به فرع الحسب الصميم، ونبع الشرف العظيم، وطبع الفضل العميم وطوع التخلي الكريم شرف إلى سماء الكرم مرقاه، وأدب من ماء الكوثر سقاه، وكأطيب الثمر تخيره وانتقاه، سلف له في العالم أسلاف كرام وثبت له في قريش نسب يحق له إجلال وإكرام، واستقر له في التصوف قدم وإقدام، يجب له احتفاء واحترام وجل الكمال والكلام وصاحب الحال والمقام وحامل فخر الأقلام ونجل السراة الأعلام، وأجل بيوت الإسلام غرر الزمن البهيم، وموارد الآمال الهيم:

لو كان يقعد فوق النجم من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم، وأفنوا في اكتساب المجد وفرهم وشبابهم، رضي اللهم عنهم وأرضاهم:

ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر

ورث الطريقة الصوفية عن آبائه الكرام وأجداده، واستقل بشيخها فلم يدعها معه أحد من أنداده فغدا صدر صدور المشيخة الصوفية، والراسخ القدم في رتب الولاية الربانية، والمجلى في حلبة رواة الأحاديث النبوية والمتميز بجملة وافرة من اللغة وفنون العربية، صوام نهاره، قوام ليله لا تلحقه سئامة الملل، ولا تتعلق به فترة الكسل، بالغا درجة التوكل بالقول والعمل، فهو الآن في ذلك القطر، عظيم القدر شهير الذكر، له كرامات تربى على العد والحصر، وفراسات تغوص على السر، في موج الفكر، فتبرز المكتوم والكنون، وتنجز المظنون والمضمون وما يعقلها إلا العالمون، لقيته بمنزلة مصر المحروسة فسمعت من لفظه جملة وافرة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جملة مسموعاته كتاب مسلم بن الحجاج وكتاب الشفا للقاضي أبي الفضل عياض رحمه الله وغيرهما، وقد سمعت عليه بعضهما، وتناولتهما من يده المباركة وأخبرني رضي الله عنه أنه لبس خرقة التصوف كما ألبسنيها من يده المباركة عن والده ولبسها والده عن جده الولي الأكبر أبي الحجاج يوسف المشتهر بالأقصري ولبسها جده عن الشيخ أبي مدين دفين تلمسان رضي الله عنه، قال وكان اجتماع الجد أبي الحجاج يوسف المذكور به بالأرض البيضاء ببلاد السودان على خرق العادة، وللأرض ألسن ذاكرة تقول الله الله.

وسمعت من لفظه غيرهما وأجاوني جميع ما يحمله ويرويه وكتب بخط يده ما نصه قال الشيخ الكبير الجد يوسف عبد الرحيم الأقصري قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، قيل لي من قبل الله تعالى من جاءك من أهل الطلب فدله عليها وأما الوصل فمنا فمن رأيناه صادقا محقا لدينا، وصلناه إلينا ومن رأيناه لا يصلح جعلناه خادما وأجرته علينا، ومن رأينا غافلا عنا طردناه من بين أيدينا، فانه لا يصل إلى المحبوب من هو بغيره محجوب، وذكر لي رضي الله عنه قال مما وصى به الجد الأكبر أبو الحجاج يوسف المذكور خواصه وأصدقاءه قال: إذا أدركتكم الضرورة والفاقة فقولوا حسبي الله ربي فالله يعلم أنه في ضيق وذكر لي أيضا رضي الله عنه قال رأى هذا الجد يوسف المذكور النبي أصابته فاقة فشكى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم قل يا بر يا رحيم، ألطف لي في قضائك ولا تول أمري أحدا سواك حتى ألقاك فلما قالها أذهب الله تعالى فاقته قال فكان رحمه الله تعالى يوصي بها أصحابه وأحبابه، وأنشدني لبعض الفقراء وكتبهما لي بخطه:

لئن شت الزمان لنا جسوما ... فقد جمع الوفاء لنا قلوبا

وان أصبحت من عيني بعيدا ... فلست تزال من قنبي قريبا

وأنشدني لفظا لبعضهم وكتبهما لي بخطه رضي الله عنه:

ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني ... فدتك نفسي يا روحي فأنت أنا

<<  <   >  >>