وذكروا أن عمرو بن عامر عند ذلك أخبره كاهن بخراب مأرب، وحذره ذلك وقال له إحذر في تخليصك من ضررها، فإنك في أوان ذهاب هاتين الجنتين، ثم إن عمرو بن عامر احتال على قومه فأولم وليمة جمع فيها أهل بيته وعشيرته، وتقدم إلى ابنه ثعلبة، وقيل إلى وداعة، وهو أصغر ولده، وقال له يا بني: قد علمت ما أشرفنا عليه من خراب هذا السد، وذهاب هاتين الجنتين، وعزمت على بيع الذي لي فيهما، وليس أحد يشتريه مني إلا بحيلة أحتالها، وإني سأبادلك الكلام بحضرة وجوه العشيرة من حمير وكهلان، فكلما كلمتك بكلمة شكسة، رد على مثلها، أو أشكس منها، وإذا رأيتني أهم برفع يدي لأضربك فارفع يدك حتى يرى الناس أنك أردت ضربي، حتى أحلف على بيع ملكي من مأرب وخروجي منها، ويرى الناس أني أريد بذلك خيرا، فلما اجتمع الناس عنده للوليمة من حمير وكهلان، وفرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم، وقرب الشراب أقبل عمرو بن عامر على ابنه وداعة، وكلمه بكلام شكس، ورد عليه وداعة بكلام مثل كلامة وأشرس، فرفع عمرو يده على ابنه وداعة ليلطمه، فرد عليه يده وقال: وأيم الله لئن لطمتني لألطمك، فعند ذلك آل عمرو بن عامر يمينا لا كفارة لها على بيع جميع ملكه في أرض مأرب من الجنتين وغيرها، وخروجه منها، ونادى هل من مشتر؟ فلما رأى الناس أنه مجد في البيع أقبلوا عليه وقالوا أتأذن أن نساومك في أموالك؟ فقال لهم قد أذنت لكم، فسوموا فقالوا قد أخذنا النصف الذي لك بمائة حمل من كل شيء، فقال هو لكم بما طلبتم، فدفعوا إليه مائة حمل من كل شيء، وسلم له النصف الثاني ولم يجد له مشتر فتركه وحرج من مأرب بجميع ولده وأهله وعشيرته كافة.
فأقبل فيما لا يعلمه إلا الله من العدد والخيل والإبل وغيرهما من أجناس المال والسوائم، فلم يرد قومه وكافة من معه ماء إلا نزحوه، ولا قصدوا بلدا إلا أجدبوه، وأرسلوا الرواة في البلاد تلتمس لهم الماء، وكان من روادهم رجل من بني عمرو بن الغوث، خرج لهم مرشدا إلى إخوتهم همدان، فرأى بلدا ضيقة لا تقوم مراعيها ومياهها بماشيتهم، وكان من روادهم أيضا عائذ بن عبد الله بن نصر الأزدي، فخرج رائدا فرأى بلدا تحملهم ولا تقوم مياهها ومراعيها بماشيتهم، مع ما فيها من كثرة أهلها، فأقاموا في أزل وبريدة وما حولها، ترعى خيلهم ونعمهم وماشيتهم وصلح لهم الطلوع إلى الجبال، وهبطوا منها في تهامة، وغلبوا غافقا عليها، فأقاموا بتهامة ما أقاموا، ثم ساروا إلى الحجاز، وتفرقوا من الحجاز فرقا فرقا، فسار كل فخذ إلى بلد.
فمنهم من نزل بالسراة، ومنهم من أقام بمكة وما حولها، ومنهم من سار إلى مضر ثم إلى العراق والشام، ومنهم من سار إلى عمان.
قال فأما من سكن عمان من الأزد: فيحمد والحداب ومالك، وأما من سكن العراق: فجزيمة بن الوضاح، وولد عبد الله بن الأزد، وأما من سكن الشام: فجفنة، وأما من سكن المدينة: فأوس والخزرج، وأما من سكن مكة ونواحيها فخزاعة، وأما من سكن السراة فبجيلة بن أنمار بن أرش بن خثعم بن أنمار بن أراش.
ومن الأزد الحجر ولهب ونارة وعائذ وبارق ةالسوام وحارثة وسنجار وعلي وعمان ودوس والنمر وحوالة والبقوم وبرقاء وشهران وعمرو والمع، فكل هؤلاء من قبائل الأزد وسائر كهلان.
ثم إن عمرو بن عامر لما خرج بكلية قومه الأزد من أرض مأرب اشتغلت كندة بالأعمال التي كان يتولاها عمرو بن عامر من الأطراف والثغور، وكذلك اشتغلت مذحج وهمدان بما في أيديهم من البلاد والأعمال، وقعدت لخم وجذام، واشتغلت بلادهما بما فيها من مقاسات الأطراف والثغور، وصار أولاد نصر بن الأزد في أرض فارس وجوا بن شجر، وهي عشيرة الجلندي بن كركر وانتشرت قضاعة في الشام، وأكتاف الحجاز، ونجد، ونزلت الحجاز منها عذرة، ونزلت جهينة في رضوى، وأقبل أولاد عمرو بن عامر على البلاد فلا يدخلون بلدا إلا غلبوا أهل ذلك البلد.
أما خزاعة فغلبت جرهم على مكة، وأما الأوس والخزرج فغلبوا اليهود على المدينة، وأما المنذر فغلبوا أهل العراق عليها، وأما آل جفنة فغلبوا أهل الشام عليها، وأما ولد عمرو بن عامر بن حارثة لما حضرته الوفاة جمع بنيه، وبنى بنيه، وبني قومه، فخاطبهم وأوصاهم وكان له ثمانمائة ولد، منهم أربعمائة سيد شريف، وأربعمائة منهم ملوك.