فولد لثعل جرول، فولد لجرول ربيعة، فولد لربيعة أحزم، وعمرو، فولد لعمرو أمان بطن من ثعل، وولد لأحزم عدي، واسمه هزومة. فمن بني عدي حاتم الطائي. وهم حاتم بن عبد الله بن عدي بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس ابن عدي، ويكنى أبا عدي، وأبا سفّانة، وابنه عدي أدرك الإسلام فأسلم، فقال يا رسول الله: إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل الخير، قال إن أباك أراد أمرا فأدركه، وكانت ابنته سفّانة، أتى بها في سبايا عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد: هلك الولد، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تخلى عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان يفك العاني، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب حاجة فردّه.
أنا ابنة حاتم، فقال صلى الله عليه وسلم هذه خصال المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق. فلما منّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، دعت له فقالت: شكرتك يد افتقرت بعد غنى، ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر. وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك للئيم حاجة، ولا سلب نعمة من كريم إلا وجعلك سببا لردها عليه! قال ابن الأعرابي: كان حاتم أحد شعراء الجاهلية، وكان جواداً يشبه جوده شعره ويصدق قوله فعله، وكان حيث ما نزل عرف منزله، وكان مظفرا؛ إذا قاتل غلب، وإذا غنم نهب، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق. وكان إذا هل شهر رجب نحر كل يوم عشرة من الإبل، وأطعم الناس، واجتمعوا عليه. وكان أول ما ظهر من جوده أن أباه خلفه في إبله وهو غلام، فمر به جماعة من الشعراء: عبيد بن الأبرص، وبشر بن حازم، والنابغة، وهم يريدون النعمان. قالوا له: هل من قرى ولم يعرفوه، فقال تسألون عن القرى وقد رأيتم الإبل والغنم، انزلوا، فنزلوا، فنحر لكل واحد منهم جزورا، وسألهم عن أسمائهم فأخبروه، ففرق عليهم الإبل والغنم، وجاء أبوه فقال ما فعلت؟ قال طوقتك مجد الدهر كطوق الحمامة، فقال أبوه: لا ألومك أبدا، قال: إذا لا أبالي. ومن حديثه: أنه خرج في شهر الحرام فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم، يا حاتم: أكلني الإسارة والقمل، قال ويحك، ما أنا ببلاد قومي، وليس معي شيء أفديك به، فاشتراه من العنزيين، وأقام مكانه في القيد حتى أوتي بالفداء.
ومن حديثه أن ماوية امرأة حاتم حدثت قائلة: إن الناس أصابتهم سنه أذهبت الخف والظلف، فبتنا ذات ليلة بأشد الجوع، وأخذنا نعلل عديا وسنانة حتى ناما من الجوع، فإذا امرأة تقول يا أبا سنانة جئتك من عند صبية جياع، قال أحضري صبينك فو الله لأشبعنهم.قلت بماذا يا حاتم فو الله ما نام صبيانك إلا بالتعليل؟ فقام إلى فرسه فذبحه، ثم أجج نارا، وجاء على نورها قوم، فأخذوا يشتوون ويأكلون، وتقنع كساه ونام، فو الله ما طعمها.
وأخباره مشهورة وهنا قصة عجيبة: روى محرز مولى أبي هريرة قال: مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم، ونزلوا عنده، فقام إليه رجل يقال له: أبو اليخبري فرج قبره برجله، فقال أحدهم ويلك ما تسمع أتعرض لرجل قد مات؟ قال إن طيا تزعم إنه ما نزل به أحد إلا أقراه، ثم جنّهم الليل عند القبر فناموا، فقال أبو اليخبري فزعاً وهو يقول واراحلتاه! فقالوا له مالك؟ قال أتاني حاتم في النوم وعقر ناقتي بالسيف، وأنا أنضر إليه وأنشدني شعراً حفظته وهو هذا:
أبو اليخبري وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة مشتامها
أتيت بصحبك تبغى القرى ... لدى حفرة قد صدت هامها
أتبغي لي الذم عند المبيت ... وحولك طيء وأنعامها
فإنا لنشبع أضيافنا ... وتأتي المطايا فنعتامها
قال فلما قاموا فأذا ناقة الرجل نكوس معقورة فنحروها وباتوا يأكلون، فقالوا أقرانا حاتم حياً وميتاً، قال فلما أصبحوا أردفوا أبو البحتري وساروا وإذا رجل راكب بعيرا ويقود آخر، وهو يقول أيكم أبو اليخبري؟ قال أنا، قال خذ هذا البعير، أنا عدي بن حاتم جاءني حاتم في النوم وزعم أنه أقراكم بناقتك، وأمرني أن أجزيك عنها، وإلى هذه القضية أشار بن دارة الغطفاني يمدح عدي بن حاتم فقال:
أبوك أبو سفانة الخير لم يزل ... لدى شيبة حتى مات في الخير راغبا