للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمصدر شرك المشركين الأولين إنما هو إيمانهم بوجود الله مع التوسل إليه وطلب العون من غيره، وهذا ما عناه الله تعالى بقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ١.

فلولم يكن المشركون يؤمنون بالله، ما اتخذوا هذه الآلهة واسطة تقربهم إلى الله تعالى كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ٢.

فصح (بهذا يقينا) أن المعنيين بإنكار وجود الله في آية الجاثية التي أورللها محتجا بها علي، ليسوا المشركين الذين حدثتك عن حقيقتهم، وإنما هم (بعض العرب) الدهريين، أو الشيوعيين، إن صح هذا التعبير.

لأنه يستحيل على الذين يدافعون عن شركهم ويبررونه بقولهم في آلهتهم وأوليائهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، أو {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٣، يستحيل عليهم أن ينكروا وجود الله الذي ما اتخذوا الآلهة من الأولياء إلا ليقربوهم إليه ويشفعوا لهم عنده، هذا بالإضافة إلى الآيات الأخرى التي تثبت اعترافهم صراحة بوجود الله وتوحيدهم لله في الربوبية كما تقدم.

حقيقة الشرك الذي كان عليه المشركون الأولون

فقال صاحبي (وقد أعياه طول النقاش) : فما هو إذن الشرك الذي نعاه الله على المشركين في القرآن وأحل به دماءهم وأموالهم وأمر رسوله بقتالهم عليه، مادام أنهم يؤمنون بالله تعالى ويوحدونه هكذا؟.


١ يوسف: (١٠٦)
٢ الزمر: (٣)
٣ يونس: (٤)

<<  <   >  >>