اتِّبَاع الْجَنَائِز فَإِذا لم يدخلن فِي هَذَا الْعُمُوم فَكَذَلِك لَا يدخلن فِي الْعُمُوم الْمُتَقَدّم بطرِيق الأولى ... فَإِذا كَانَ النِّسَاء لم يدخلن فِي عُمُوم اتِّبَاع الْجَنَائِز مَعَ مَا فِي ذَلِك من الصَّلَاة على الْمَيِّت فَأن لَا يدخلن فِي زِيَارَة الْقُبُور الَّتِي غايتها دون الصَّلَاة عَلَيْهِ بطرِيق الأولى، وعَلى هَذَا فَيكون الْإِذْن فِي زِيَارَة الْقُبُور مَخْصُوصًا بِالرِّجَالِ، وَخص بلعنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرات الْقُبُور فَيكون من الْعَام الْمَخْصُوص" اهـ وبمثل هَذَا قَالَ الْعَلامَة النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: "هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي تجمع النَّاسِخ والمنسوخ وَهُوَ صَرِيح فِي نسخ نهي الرِّجَال عَن زيارتها، وأَجمع على أَن زيارتها سنة لَهُم، أما النِّسَاء ففيهن خلاف لِأَصْحَابِنَا وَقدمنَا أَن مَنْ مَنعهنَّ قَالَ: النِّسَاء لَا يدخلن فِي خطاب الرِّجَال وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ" اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَأما حَدِيث عَائِشَة: عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ الَّذِي فِيهِ قَالَت: "كَيفَ أَقُول لَهُم" الحَدِيث فَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوه:
أَولهَا: حمل سؤالها للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعليمه إِيَّاهَا على مَا إِذا اجتازت بِقَبْر فِي طريقها بِدُونِ قصد للزيارة، وَلَفظ الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بالزيارة عِنْد من خرّجه بل قَالَت: مَاذَا أَقُول لَهُم؟ وَلذَلِك صرح الْعلمَاء- رَحِمهم الله تَعَالَى- بِأَنَّهُ يجوز لَهَا أَن تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء فِي هَذِه الْحَال، بل وَلَا تسمى زائرة وَالْحَالة هَذِه، فَكَأَنَّهَا رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَاذَا أَقُول إِذا جزت بِقَبْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ: "قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين" الحَدِيث.. وَلَا أدل على ذَلِك من قَوْلهَا فِي زيارتها لأَخِيهَا عبد الرَّحْمَن "لَو شهدتك لما زرتك" وَإِلَّا لما كَانَ لقولها هَذَا كَبِير معنى، وَإِن فِي حمل الحَدِيث على هَذَا جمعا بَينه وَبَين أَدِلَّة الْمَنْع ودفعاً للتعارض عَن سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ مَتى أمكن فَهُوَ أولى من طرح أَحدهمَا أَو دَعْوَى التَّعَارُض بَينهمَا قَالَ صَاحب مراقي السُّعُود فِي ذَلِك:
وَالْجمع وَاجِب مَتى مَا أمكنا ... إِلَّا فللأخير نسخ بَينا
وَثَانِيها: أَن حَدِيث عَائِشَة هَذَا يحْتَمل احْتِمَالا قَوِيا أَنه كَانَ على الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة ثمَّ نقل عَنْهَا إِلَى التَّحْرِيم الْعَام فنسخ نهي الرِّجَال عَن الزِّيَارَة وَبَقِي نهي النِّسَاء على عُمُومه كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ رَضِي الله عَنهُ بقوله: قد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور نهيا عَاما للرِّجَال وَالنِّسَاء ثمَّ أذن للرِّجَال فِي زيارتها وَاسْتمرّ النَّهْي فِي حق النِّسَاء لوُرُود مَا يَقْتَضِي تخصيصهن فِي ذَلِك الحكم من أَحَادِيث اللَّعْن وَغَيرهَا".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute