وأبخرَ ألقى إلى قطّهِ ... لقيمةً من فمهِ الأبخرِ
فبادرَ القطُّ إلى دفنها ... يحسبها من بعضِ ما قد خري
وقع محمد بن عبيد الله في رقعة رجل ألح عليه: [الطويل]
تأنَّ مواعيدَ الكرامِ فربّما ... حملت منَ الإلحاح سمحاً على بخلِ
كان من أصحاب أبي عبد الله وزير المهدي رجل يعرف بعمران بن شهاب الكاتب، فاستعان على أبي عبد الله في بعض أموره ببعض إخوانه، فلما قام الرجل، قال أبو عبيد الله: يا عمران لولا أن حقك حق لا يجحد، ولا يضاع، لحجبت عنك حسن نظري، أتظنني أجهل لإنسان، حتى أعلمه، ولا أعرف موضع المعروف، حتى أعرفه، لو كان لا ينال ما عندي إلا بغيري لكنت بمنزله البعير الذلول عليه الجميل الثقيل، إن أقيد انقاد، أو أنيخ نزل لا يملك من نفسه شيئاً، فقلت معروفك بمواقع الصنائع مذكّراً.
فقال، وأي أذكار لمن قضى حقك أبلغ من مساءلتك عليه، ومصيرك إليه، إنه، متى لم يتصفح المأمول أسماء مؤمليه تقلبه غدوّاً ورواحاً لم يكن للأمل محل، وجرى المقدرة لمؤمليه بما قدر، وهو غير محمود على ذلك، ولا مشكور، وما لي شيء أدرسه بعد وردي من القرآن إلا أسماء رجال التأميل لي، وما أبيت ليلة، حتى أعرضهم على قلبي لبعضهم: [الطويل]
إذا أوليوا قالوا ضمنّا ومالنا ... سبيلٌ إلى فعلِ اليسيرِ منَ البرِّ
وإن عزلوا قالوا عزلنا بعطلةٍ ... فكيفَ لنا منهمُ بالرفد بني النظرِ
ومما يستشهد به من الشعر: [الطويل]
ولو كانَ لي في حاجتي ألفُ شافعٍ ... لما كانَ فيهم مثلُ جودكَ شافعِ
وكنتُ شفيعَ راجيهِ إليهِ ... فألجأني الجفا إلى شفيعِ
وقد كنتُ أرجو للصّديقِ شفاعتي ... وما صرتُ أرضى أن أشفعَ من نفسي
آخر في مدح رجل: [الكامل]
واستكبرَ الأخبارَ عندَ لقائهِ ... فلمّا التقينا صغَرَ الخبرَ الخبرُ
في معنى آخر: [الكامل]
ولئن سكتَ وبانَ في وجهي الرِّضا ... بقيا عليكَ فإنَّ قلبي ساخطُ
آخر: [الوافر]
وفي عينيكَ ترجمةٌ أراها ... تدلُ على الضّغائنِ والحقودِ
آخر:
وكيفَ يديرُ أمرَ البلادِ ... فتىً أمرُ منزلهِ مهملُ
آخر: [الكامل]
جهلوا السّبيلَ إلى المكارمِ في العلى ... ورضوا منَ الأفعالِ بالألقابِ
آخر: [الوافر]
وأقربُ ما يكونُ النَّجحُ يوماً ... إذا شفعَ الوجيهُ إلى الجوادِ
آخر: [الوافر]
وكنّا لا نحجّبُ عن ملوكٍ ... فقد صرنا تحجّبُ عن كربي
آخر: [الخفيف]
إنّما تنجحُ المقالةُ في المرءِ ... إذا صادفت هوىً في المرادِ
وأشارت بما أتيت رجالٌ ... كنتُ أهدي منها إلى الإرشادِ
وله: [الطويل]
وكلُّ امرئٍ يولي الجميلَ محبّبٌ ... وكلُ مكانٍ ينبتُ الغرَّ طيِّبُ
وأظلمُ أهلِ الظّلمِ من باتَ حاسداً ... لمن باتَ في نعمائهِ يتقلبُ
وقف أعرابيٌّ بباب خالد بن عبد الله القسري، فقال للحاجب: أوصلني إلى الأمير، امتدحه ببيتين من الشعر ما قيل مثلهما، قال له: وما هما؟ قال: أكره أن تبتدلا، فاستأذن لنا. وله، فلما دخل أنشده: [الكامل]
لمنِ الدّيارُ كأنّها قفرُ ... قد ماتَ في حيطانها البعرُ
إنَّ الأميرَ يكادُ من كرمٍ ... أن لا يكونَ لأمِّهِ بظرُ
فاستلقى خالدٌ ضحكاً، حتى كاد أن يحدث، ثم أمر له بجائزة وقال: من كان هذا مدحه، ما ترى أن يكون ذمه لبعضهم: [الطويل]
فإن تسألوني بالنِّساءِ فإنّني ... عليمٌ بأدواءِ النّساءِ طبيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالهُ ... فليسَ لهُ في ودِّهنَّ نصيبُ
قيل لمعن بن عبد الله، وقد ورث مالاً جزيلاً: لو ادخرت هذا المال لأولادك فقال: بل أدخره لنفسي عند الله، وأدخر الله لأولادي.
دخل السدي على عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، لما ولي الخلافة، فقال له عمر: أسرّك ما رأيت أم ساءك؟ فقال سرني للناس وساءني لك، فقال عمر: إني أخاف أن أكون قد أوبقت نفسي له، ما أحسن حالك، إن تخاف وإنما أخاف عليك أن لا تخاف، فقال له: عظني، فقال له: إنّ أبانا آدم، أخرج من الجنة بخطيئة واحدة. قال سفيان: ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدّنيا.