قال العتبي رؤي مروان بن أبي حفصة واقفاً بباب الحسن، كئيباً أسفاً ينكث بسوطه على معرفة دابته فقيل له يا أبا السمط ما الذي نراه بك؟ قال أخبركم بالعجب، مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها.
ووصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضاً أرضاً، ورملةً رملة، حتى إذا أشفيت منه على غنى الدهر جاء من بياعة الفخاخير يعنى أبا العتاهية، فأنشده بيتين فصحصح بهما شعري وسواه في الجائرة بي فقيل له، وما البيان فأنشده: [الكامل]
إن المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليكَ سباباً ورمالَ
فإذا رحلنَ بها رحلنَ مخفَّةً ... وإذا بنا رجعنَ ثقالاً
يقال لا تنجع الحكم في الطباع القاسية، كما لولا يزكو الزرع ي البقاع الجاسية، قدم أبو الجهل بي أبي حذيفة على معاوية ومعه ابن له فصيح، فلما جلس واستقر، قال له معاوية: سل حاجتك، قال: كذا وكذا، وأطال معاوية يسمعه لكل ما يسأل فأكثر، وألح، فقال له ابنه: يا أبت عن أمير المؤمنين، ولا تملله، فقال يا بني ما وراءه مطلب، ولا عذر مذهب، ولا على كرمه لمحتد مطعن، وما مثلنا إلا، كما قال عبد المسيح الهذلي: [الوافر]
نقلبهُ لنخبرَ حالتيهِ ... فنخبرُ منهما كرماً وليناً
نميلُ على جوانبهِ كأنا ... نميلُ إذا تميلُ على أبينا
كانت أم الفضل بنت الحارث الهلالية ترقص عبد الله بن العباس، وتقول:
ثَكلتُ نفسي وثكلتُ بكري ... إن لم يسدْ فهراً وغيرَ فهرِ
أبو النواس قال: دخلت على الأمير فقلت: يا أمير المؤمنين قد قلت فيك أبياتاً، آليت أن لا آخذ لكل بيت إلا عشرة آلاف درهم، فقال: هات فأنشده: [مجزوء الكامل]
قدْ قُلتَ، والغيمُ دانٍ ... يكادُ يدفعُ باليد
يا غيمُ أرعدْ وأبرقْ ... محمدٌ منكَ أجودِ
على الأمينِ تمنتْ ... بالله رب محمدِ
أنْ لا يقولُ لراجٍ ... أتاهُ لا عنْ تعمدِ
فأعطاه أربعين ألفاً، يقال نعم الناصر الجواب الحاضر. ذكر الأصمعي، قال كنت مع الرشيد بالرقة، فبعث إلي وقت الصلاة العصر أجب أمير المؤمنين، فقمت مبادراً، فأدخلت عليه، وهو جالس على كرسي من الخيزران.
وإلى جانبه صبية خمسية، فيلت، فلم يرد السلام، وإذا هو يخط على الأرض، ويكتب بإصبعه، ثم رفع رأسه إلي وقال: يا أصيمع فقلت لبيك يا أمير المؤمنين قال: ألا ترى إلى الدعي ابن الدعي اليهودي بن اليهودي، عبد بني حنيفة ودعي بني أمية مروان بن أبي حفصة، يقول: لمعن بن زائدة وإنما هو عبد بن عبيدي: [الوافر]
أقمنَا باليمامةِ إذ يئسنَا ... مقاماً لا نريدُ به ارتجالاً
وقلنا أينَ نرجلُ بعد معنٍ ... وقد ذهبَ النوال لا نوالاً
وكان الناس كلهمُ لمعنٍ ... إلى أن زار حفرتهُ عيالاً
فجعلني، وولدي وحشمي عيالاً لمعن، وإذا كان قد ذهب النوال، فلا نوال فيما يصنع ابن الزانية ببابي؟ فقلت ببابك يا أمير المؤمنين، وأنت أولى به، فقال، يحضر الساعة فأحضروه من ساعته إليه فقال: السياط، فأحضرت، فقال صبوها عليه الدعي الفاجر، فجعلت تأخذه من هاهنا وهاهنا وهو يصيح، يا أمير المؤمنين ارع حرمتي بك وبأبيك، ومدائحي فيه وفيك، وهو يقول: أوجع ابن الزانية، حتى ضرب ثلاثمائة سواط، وهو يقول: اسمع بحق جدك وابن عمك ما قلته فيك، فقال هات ما قلته فأنشده:
طرقتكَ زائرةً فحيّ منالها
حتى أتى على آخرها، فضحك، ثم قال يعطى سبعين ألف درهم فقبضتها وانصرفت محمولاً، ثم قال يا أصيمع أتدري من هذه الجويرية؟ قلت لا، والله يا أمير المؤمنين قال: هذه نواسة بنت أمير المؤمنين قم فقبل رأسها، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، أفلت من واحدة، وأقع في أخرى، أغلظ منها أقبل رأسها فتداخله غيرة هاشمية فيقتلني فتغافلت فأخذ الحزن، ليحذفني به، فقمت فوضعت كمي على رأسها، ووضعت كفي على كمي، ثم قلت كفي، فقال، والله لو أخطأت لضربت عنقك.
فقلت يا أمير المؤمنين، فما جزاء من يرافق محبتك؟ فضحك، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، ثم أخذ يعد حديثه عوداً من الأرض، فقال مثل من حظ خير من جبل عظيم من العقل بلاحظ.