والفضلُ كلُّ الفضلٍ من ... كَ قبولُ الطافِ المقلُّ
قال الكسروي أخبرنا بعض إخواني، وكان له علم بالعزائم ويذكر أن بعض الجن يخدمه، قال رأيت إبليس في سكة سليمان، وقفت أقرأ فسبقتني إلى ما كنت أقرا، فلما أعياني، قال لي: ويلك يا جاهل أنا أقرأ منك لكتاب الله، وليست ممن تهولني قراءتك، وتعاويذك، ولولا أني أميل إليك لتلفتك. فقلت أحب أن تنشدني شيئاً من شعرك، فتناول رأسي فصفعني صفعات، ثم أنشأ يقول: [المنسرح]
سائل طلولَ القضا ومصقعها ... كيفَ ترى راحتي وموقعها
كم صائرٍ هامةً معلَّمةً ... ذلّلها صافعٌ فطيّعها
ثم غاب عني، لم تره عيني، قال الحماز: الحميّة إحدى العلتين.
أخبرنا شيخنا الإمام السعيد، ناصح الإسلام، نجم الهدى أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، قال: حدثنا شيخنا القاضي الإمام القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن عجلان، قال: أخبرني علي بن يحيى بن أبي منصور.
قال: كنت بين يدي المتوكل، إذ دخل علي بن محمد بن علي بن موسى، ولما جلس، قال له المتوكل ما يقول، والدك في العباس بن عبد المطلب؟ فقال ما يقول، والدي في رجل فرض الله طاعة نبيه على جميع خلقه، وفرض طاعته على نبيه صلى الله عليه وسلم وأخبرنا شيخنا الإمام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد قال: أخبرنا القاضي أبو يعلى، قال حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: حدثنا أبو علي الكوكبي، قال: حدثنا علي بن حرب الطائي، قال: حدثنا جعفر بن الطائي قرابة للقحاطنة من أهل جزيرة مهربان، حدثنا أبان بن عبد الجبار قال: كنا عند سفيان بن عيينة، وهو يحدثنا، إذ التفت إلى شيخ جنبه، فقال: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث الحية، فقال الشيخ حدثني محمد بن عنبسة، قال خرج حميري بن عبد الله إلى متصيد له، قال: فلما أقفرت الأرض به، انسابت حيةٌ من بين قوائم دابته، فقامت على ذنبها وقالت: آوني آواك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فقال لها، ومن أي شيء آويك؟ قالت من عدو قد غشيني يريد أن يقطعني إرباً إرباً، قال لها، وأين آويك؟ قالت في جوفك إن أردت المعروف، قال: ومن أنت؟ قالت أنا من أهل لا إله إلا الله، فقال لها فهاكِ جوفي، فصيّرها في جوفه، فإذا بفتىً قد أقبل ومعه صمصامة له قد وضعها على عائقةٍ.
فقال له: أيها الشيخ أين الحية؟ أطلت بكنفك، وأناخت بفنائك، قال هل ترى شيئاً؟ قال عظمت كلمة تخرج من فيك، قال ما جاء منك أعظم، تراني أقول ما أرى شيئاً، ويقول لي هذا، فولّى الفتى مدبراً، فلما توارى، قالت الحية يا عبد الله، انظر هل ترى أحداً، أو هل يراه بصرك، أو يأخذه طرفك؟ قال ما أرى شيئاً، قالت: اختر مني إحدى منزلتين، إما أن أنكت قلبك نكتةً فأجعله رميماً، أو أرث كبدك رثاً، فأخرجه من أسفلك قطعاً، قال لها: ما كافئتني يرحمك الله، قالت فاصطناعك المعروف إلى من لا تعرف ما هو إلا جهلك، وقد عرفت العداوة بيني وبين أبيك من قبل.
وقد علمت أنه ليس عندي مال أعطيك، ولا دابة أحملك عليها، قال أردت المعروف، فالتفت، وإذا بفيء جبل، قال فإن كان لابد من قتلي ففي هذا الفيء الذي للجبل، ثم نزل يمشي يائساً من الحياة، وإذا بفتىً جالس في ظل الجبل، كأن وجهه القمر ليلة البدر، فقال الفتى يا شخ مالي أراك مستبسلاً للموت.
فقال من عدو في جوفي أويته من عدو له، فلما صار في جوفي، قال كذا وكذا، وقص عليه القصة، فقال له الفتى: أتاك الغوث، ثم ضرب بيده إلى ردنه، فأخرج شيئاً فأطعمه إياه، فاختلجت وجناته، ثم أطعمه ثانياً فوجد مغصاً في بطنه، ثم أطعمه ثالثاً فرمى الحية من سفله قطعاً.
فقال له حميري: من أنت؟ يرحمك الله؟، فما وجد أعظم علي منّة منك، قال له، أو ما تعرفني؟ قلت لا، قال أنا المعروف، إنه اضطربت ملائكة سماء سماء من خذلان الحية إياك فأوصى الله (عز وجل) إلى أن يا معروف أغث عبدي وقل له أردت لوجهي أشياء فأتيتك ثواب الصالحين، وأعقينك عقبي المحسنين ونجيتك من عدوك وفيه قال: [الطويل]
ومن يفعلِ المعروفَ معَ غيرِ أهلهِ ... يجازى كما جوزيُ مجيرُ أمُّ عامرِ