قال الأصمعي دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا أصمعي إني أرقت ليلتي هذه، فقلت لمَ أنام الله عينيك يا أمير المؤمنين قال فكرت في العشق ممّ هو؟، فلم أقف عليه فيصفه لي، حتى أتخيله جسماً مجسماً، قال الأصمعي: والله ما كان عندي قبل ذلك فيه شيء، فأطرقت ملياً.
ثم قلت: يا أمير المؤمنين إذا تفادحت الأخلاق المتشاكلة، وتمازحت الأرواح المتشابهة، ألهبت لمح نور ساطع، يستضيء به العقل، ويهز لإشراقه طباع الحياة، ويتصور من ذلك النور، خلق خاصتي بالنفس متصل بجوهرة تيها تسمى العشق، قال أحسنت، والله يا غلام أعطه، وأعطه، وأعطه ثلاثين ألف درهم.
قال الروم: تقول لا يملك علينا من يحتاج أن يشاور، وقالت: الفرس نحن لا نملك علينا من يستغني عن المشورة.
قال ابن عباس: خطب أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه، على ابنه الحسن (عليه السلام) ، أم عمران، أو بنت سعيد بن قيس الهمداني، فقال فوقي أمير، أو قال أميره يعني أمها، فقال له: قم فوامرها فخرج من عنده، فلقيه الأشعث بن قيس بالباب، فأخبره الخبر، فقال: ما تريد إلى الحسين يفخر عليها، ولا ينصفها، وبما أساء إليها، ويقول: أنا ابن بنت رسول الله، وابن أمير المؤمنين، فهل لك في ابن عمها؟.
قال: ومن ذاك؟ قال ولدي محمد بن الأشعث قال: قد زوجتك، قال الأشعث رضيت عنه وقبلت، ثم مضى ودخل الأشعث على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فقال يا أمير المؤمنين خطبت على الحسن ابنة سعيد، قال نعم، قال فهل لك في أشرف منها، وأكبر حسباً، وأتم جمالاً، وأكثر مالاً، قال: ومن هي؟ قال: جعدة بنت الأشعث بن قيس، قال: قد خطبت سعيد بن قيس في ابنته، وقد مضى ليوامرها: فقال يا أمير المؤمنين قد زوج ابنته من محمد بن الأشعث، قال ومتى؟ قال الساعة بالباب، قال فتزوج الحسن بجعدة، فلما لقي سعيد الأشعث، قال له: يا أعور خدعتني، قال: أنت أعور أعمى حيث تستشير في ابن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
بل أنت أحمق، ثم جاء الأشعث إلى الحسن فقال: يا أبا محمد ألا تزور أهلك، فلما أراد ذلك، قال: لا تمشي، والله إلا على أردية قومي، فأقامت له كندة سماطين وجعلت له أرديتها سباطاً من بابه إلى باب الأشعث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي أن لا يشنع حبيباً يدعو على حبيبه".
وقال هشام بن محمد لما ولي أبو العباس صعد المنبر ليخطب فقام إليه السيدان بن محمد فقال: [السريع]
دونكموها يا بني هاشمِ ... فجددوا من أيُّها الطَّامسا
دونكموها فألبسوا ناجها ... لا تعدموا منكم لها لابسا
دونكموها لا علا كعبُ ... من أمسى عليكمُ ملكها نافسا
خلافةُ اللهِ وسلطانهُ ... عادَ، وقد كانَ لكم دارسا
قد ساسها من قبلكم ساسةٌ ... لم يتركوا رطباً ولا يابسا
أربعةٌ في طلقٍ واحدٍ ... وأرثها رابعهم خامسا
وداخلٌ من بيتهم من بني ... عمهم كانَ لهم سادسا
لو خيِّرَ المنبرُ فرسانهُ ... ما اختارَ إلا منكم فارسا
والملكُ لو شوِّرَ في ساسةٍ ... ما اختارَ إلا منكموا سايسا
لم نبقِ عبدَ اللهِ بالشّامِ ... من آل أبي العاص امرءاً طسَّا
ولستَ من أن تملكوا إلى ... هبوطِ عيسى نبيكم آيسا
فأمر له بمال، فقال إن لي حاجة، قال: وما هي قال ترضى عن سليمان بن حبيب، وتكتب بعهده على الأهواز ففعل به ذلك، وأخذ العهد، ووافى سليمان فأنشده: [المتقارب]
أتاكَ بعهدكَ من عندهِ ... على من يليكَ منَ العالمِ
وشفيعٍ وشريفٍ وشاعر وزائر، سل حاجتك، قال: بدرة دنانير وجارية حسناء، وفرساً رائعاً ومنزلاً واسعاً، قال ذلك علي لك في كل سنة. ففعل به ذلك. قال ابن عباس: وقد سئل عن المد، والجزر، فقال ملك موكل بقاموس البحر إذا وضع رجله فاض، وإذا رفعها غاض وقاموس البحر وسطه، قال أفلاطون من لم ينم، حتى يتعرض الخلاء دام له حسن صورته، ومن أقل من مجامعة النساء ثبت له سواد رأسه ولحيته.
قال أهدي أبو محمد الهمداني ابن أخت أبي هنّاد إلى علي بن يحيى المنجم في نيروز هدية وقال له معتذراً إليه من تقصيره: [مجزوء الكامل]
هذي هديّةُ واثقٍ ... بمكانهِ منكمُ مدلُّ
يرنو بعينٍ معظِّ ... مُ لكَ عن هديّتهِ مجلُّ