تعرَّ إذا رزئتَ فخير درعٍ ... تُسربْل للمصائبِ ثوبُ صبْرِ
ولمْ أرَ نعمةً شملت كريماً ... كعورة ذي حجي سُترت بقبرِ
قال أحسنت يا أبا تمام، وفض رافعاً الحزن. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من الأنصار، فلما أراد الانصراف، قال: "جعل الله ما مضى كفارة، وأجراً، وما بقي عاقبة وذكراً".
قال أبو لكر بن عباس: كنت، إذ كنت شابا إذا أصابتني مصيبة تصبرت لها، ولم أبكِ، ورددت البكاء ولزمته فكان ذلك يؤذيني، ويوجعني، حتى رأيت إعرابياً واقفا بالكناس على جمل ينشد:
خليلي عُوجا من صدور الرواحلِ ... بجمهور حزوى وابكيا في المنازلِ
لعلَّ انحدارَ الدمعِ يبعثُ راحةً ... من الوجدِ أو يشفي غليلَ البلابلِ
فقلت من هذا؟ فقالوا: ذو الرمَّة، فأصابني بعد ذلك مصائب، فكنت أبكى فوجدت لذلك راحة، فقلت في نفسي، قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره، وفي المعنى: [السريع]
أبكِ، فمن أنفعِ ما في البكاءِ ... بأنهُ للحزنِ تسهيلُ
وهوَ إذا أنتَ تأملتهُ ... حزنٌ على الخدينِ محلولُ
كان يقال: أسرع الاستماع، وأبطئ التحقيق. هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً إليه فقال: ويلك بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى الله تعالى به وذنوبي عنده اعثر، فضحك منه، ووصله.
في دعاء داود عليه السلام، قال: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأي حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها، سأل النعمان بن المنذر الصقعُب النهدي: فقال: ما الداءُ العياء؟ قال: جار السوء، إن قاولته تهتك، وإن غبت عنه سلبك، قال خلاد الأرقط، إعطاء الشاعر من بر الوالدين، ومدح رجل الرهري بشعر، فأعطاه وقال: من ابتغى الخير اتقى الشر لمسكين الدرامي. [الرمل]
وإذا الفاحشُ لاقى فاحشاً ... فهناكم وافقَ الشنُّ الطبقْ
إنما الفحشُ ومن يعتاده ... كغرابِ السوء ما شاءَ نعقْ
أو حمارِ السوءِ إن أشبعتهُ ... رمحَ الناس وإن جاعَ نهقْ
أو غلامِ السوء إن جوعتهُ ... سرق الجار وإن يشبعْ فسقْ
أو كغيرى رفعتْ عن ذيلهَا ... هل جديدٌ مثلُ ملبوسٍ خلِقْ!
قيل لابن شبرمة: إن فلاناً لا يدري ما الشر يكفيه ذلك، أحرى أن يقع فيه. وقال الطائي: إذا كان الشريد يكفيه الترك فاتركه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أبلغكم بشر الناس، قالوا بلى، قال: من لا يقبل عثرة معذرة، ألا أنبئكم بشر من ذلك، قالوا: بلى، قال: من يبغض الناس يبغضونه.
سمع الأحنف رجلاً يقول: ما أبالي أمُدحت أم هُجيت، فقال له الأحنف: استرحت يا هذا من حيث تعب الكرام. تبع داود بن المعتمر امرأة ظنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما رأيت عليك مني سيماء الخير لم أتبعك، فضحكت الامرأة تعجباً، وأسندت ظهرها إلى حائط وقالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيماء الخير، فأما إذا صار سيماء الخير هو الدال لمثلك على مثلي فالله المستعان. كتب أحمد بن علي الظاهري إلى الوزير أبي محمد المهلبي: [مجزوء الكامل]
قد مسَّ حالَ أولئكَ الضرُ ... يا منْ إليهِ النهيُ والأمرُ
وصلاحُ عبدِك أنتَ تعرفُهُ ... وإليكِ فيه النفعُ والضرُ
لا تتركنَّ الدهر يظلمني ... ما دام يقبل قولك الدهرُ
حكي عن أبي كثير محمد بن إبراهيم أنه، قال: لما جيء يرأس الحسين بن على عليهما السلام إلى دمشق، كبّر الناس، فقال أعرابي: [الكامل]
لكأنما بكَ يا بنَ بنتِ محمدِ ... قتلوا جهاراً عامدينَ رسولاَ
ويكبرونَ لأن قتلتَ وإنما ... قتلوا بكَ التكبيرَ والتهليلاَ
فبكيكَ أجفانُ الأجفانُ السحائبِ بكرةً ... وبكيكَ أنفاسُ الرياض أصيلاَ
يا منْ إذا حسنَ العزاءُ على امرئٍ ... كانَ البكاءُ حسناً عليهِ جميلاَ
قال الأوزاعي: إذا أراد الله بقومٍ شراً، أعطاهم الجدل ومنعهم العمل. وقال سفيان جوارحك سلاح الله عليك، بأيها شاء قتلك. وقال بعضهم خرجنا من دارنا يكرم المعشر فاجتزنا بدار أبي محمد بن البادرائي الكاتب، وقد كان الخراب استمر عليها، واستولى، فقرأت على الحصن مكتوب شعر: [مجزوء الكامل]
يا منزلَ القومِ الذين تفرقتْ بهمُ المنازلُ ... أصبحتَ بعدَ عمارةٍ قفراً تخرقك