وقد حبّ وعشق جماعة من الأجلاء المتقدمين، والسلف، والتابعين منهم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يحب ليلى بت الخوزي الغساني، التي ارتد أبوها وقتله خالد بن الوليد وسبا أهله دفعت إلى عبد الرحمن وفيها قال:
تذكرتُ ليلى والسماوةَ دونَها ... فما لابنة الخوزيّ ليلى وماليَا
ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يهوى جارة رومية، وكان يجد بها وجداً شديداً، فوقعت يوماً عن بغلة كانت عليها، فجعل يمسح التراب عن وجهها ونهديها، فكانت تقول: لَهُ أنت قالون أي رجل جيد صالح فهربت منه، فقال فيها: [البسيط]
قدْ كنت أحسبني قالونَ فانطلقتْ ... فاليوم أعلم أنِّي غيرُ قالونَ
ومنهم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، عشق الرباب الكلبية، وهي أم ولده سكينة وعبد الله الذي قتل معه بكربلاء وفيها يقول: [الوافر]
لعمركَ إنَّني لأحبُّ أرضاً ... تحلُّ بها سكينةُ والرَّبابُ
أحبُّهما وأبذل جلَّ مالي ... وليسَ للائمٍ عندي عتابُ
ومنهم الحسن بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، عشق عشقاً شديداً عايذا بنت عمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص، وتزوجها، وكان بها مشغوفاً وفيها يقول: [الطويل]
أعايذُ ما شمسُ النَّهارِ إذا بدتْ ... بأحسنَ منها بينَ عينيكِ عابداً
وما أنتِ إلاَّ دميةٌ في كنيسةٍ ... يطلُّ لها البطريقُ بالليل ساجداً
ومنهم عبد الرحمن بن أبي عمار فقيه أهل الحجاز دخل النحاس فعلق فتاة واشتهر بها، حتى مشا إليه مجاهد وعطا وطاووس يعدلونه، فأجابهم بأبيات منها: [البسيط]
يلومني فيكِ أقوامٌ أُجالسهم ... فما أبالي أطالَ الَّلومُّ أم وقعا
فاشتراها له عبد الله بن جعفر، وزينها ودخل إليه عبد الله بن أبي عمار في جملة الناس، فلما أراد النهوض استجلسه وسأله عن حبها، فقال في اللحم، والدم، والمخ، والعصب، والعظام، فأخرجها إليه وقال هذه هي؟ قال نعم [البسيط]
هيَ التي هامَ قلبي مِنْ تذكُّرها ... والنفسُ مشغولةٌ أيضاً بذكراها
قال له فخذ بيدها فهي لك، وأمر له معها بماية ألف درهم.
ومنهم عبد الله بن الحسين بن علي عليهم السلام، عشق هند بنت أبي عبيدة وفيها يقول: [مجزوء الكامل]
يا هندُ إنكْ لوْ سمع? ... ?تِ بعاذلينِ تبايعا
هندٌ أحبُّ لي من ... مالي وأهلِي أجمعَا
فيها أطعتُ عواذلي ... وأطعتُ قلباً موجعا
ومنهم عبد الله القس مر بسلامة فسمع غناءها فرآه مولاه فأدخله فشغف بها وجماله فيها: [الطويل]
ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا طربت من صوتها كيفَ تصنعُ
تمدُّ نظامَ الصَّوتِ ثم تردُّه ... إلى صلصلٍ من صوتها يترجعُ
ومنهم شريح القاضي كانت عنده زينب التميمية، وكان بها مشغوفاً ولها محباً وفيها يقول: [المتقارب]
إذا زينبُ زاراها أهلُها ... حسدت وأكرمت زوَّارها
وقد روي أن عائشة بنت طلحة كانت من أجمل الناس، وأحسن النساء صورة، وكانت سيئة الخلق، فغضبت يوماً على زوجها، وخرجت إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآها أبو هريرى، فقال: سبحان الله ما أحسن ما غذاك أهلك! ما رأيت أحسن وجهاً منك.
وقد كان مغيث يحب زوجته بريدة، وكان عبداً، فلما عتقتها عائشة خيروها في المقام، أو الفرق، فاختارت فرق مغيث، فاشتد عليها وهام بها، حتى كانت تطوف البيت، وهو وراءها يبكي ودموعه على خديه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: "يا عم ما نرى شدة حبه لها وبغضها له، ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمها في معناه أبأمرك يا رسول الله قال لا أنا شافع".
وقد قال عليه السلام: "ما خلفت على أمتي فتنة أشد من النساء" وقد قال بعضهم: [السريع]
من كان ذا علمٍ بأمرٍ الهوى ... فهو بما ألقاهُ مني عليمُ
لم آتِ في الحب بأعجوبةٍ ... الحبُّ في العالم داءٌ قديم
وقد أنشد المأمون: [السريع]
داءٌ قديمٌ في بني آدم ... صبوة إنسان بإنسانِ
وقد تجاوز الأسود، والخاقاني لما عوتب في حبه فقال: [الخفيف]
ويكَ أنْ الملامُ يعزِّي الملوما ... ليس جرمي، كما زعمتَ عظيما
إنْ أكنْ عاشقاً فلم آيِ إلا ... ما أتتهُ الرجالُ قبلي قديما