فإذا ببابكَ حاجبٌ مسبطرٌ ... فعمود بابكَ في حرم الحاجبِ
ولئن رأيتكَ راضياً بفعالهِ ... فتمام بابكَ في حرمِ الصاحب
وله أيضاً في سعد حاجب الخاقاني الوزير، وكان أسوداً: [الكامل]
يا سعدُ إنَّك قد حجبتَ ثلاثةً ... كلا قتلتَ وفيك رسمٌ لائحُ
وأتيتَ تحجبُ رابعاً لتثيرهُ ... فارفق به فالشيخ شيخٌ صالحُ
يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعدٌ ولكنْ أنتَ سعدُ الذابحُ
وفيه يقول البحتري: [المتقارب]
ولمَّا وقفنا ببابِ الوزيرِ ... وقد كشفَ السترُ أو جانبهُ
ظللنا نُرجم فيك الظُّنون ... أحاجِمُهُ أنتَ أم حاجبهُ
قيل للأعرابي: اتق الحساب، قال: ومن يحاسبني؟ قيل الله (عز وجل) ، قال: إن الكريم إذا حاسب تفضل.
قدم رجل إلى بعض الولاة، فأراد ضربه فقال: تأنَّ أيها الأمير، فإن التأني من الولاة صدقة.
قيل أتي سليمان بن عبد الملك برجل قد عفا عنه مرة بعد مرة، فأمر بضرب عنقه، فقال الرجل: الله، الله يا أمير المؤمنين، قال: أوليس قد عفوت عنك مرة بعد مرة،؟ فقال الرجل: أوليس فداء لك مني مرة بعد مرة يا أمير المؤمنين؟ قال: صدقت، وخلا سبيله.
قال الربيع بن أنس كنا في يوم عيد وقوفاً على رأس المنصور، والناس سماطان على مراتبهم، والمهدي جالس على وسادة، إذ أقبل صالح بن منصور، وهو الذي يدعى المسكين، وقد كان المنصور يرشحه لبعض الأمر، فقال بين السماطين، فسلم فأحسن السلم، ثم استأذن في الكلام، فأذن له المنصور فأجاد، فمد المنصور إليه، ثم قال له: يا بني ادنُ مني، فلما أدناه اعتنقه، ثم أقعده بين يديه ونظر إليه المنصور، ثم نظر في وجه من كان بحضرته من أهل بيته وغيرهم، هل منهم أحدٌ يثني على صالح ابنه لحسن كلامه وبلاغة نظامه، فكلهم هاب المهدي فقام عقال بن شبة بن عقال، فقال لله در خطيب قام آنفاً ما أفصح لسانه، وأحسن بيانه، وأمضى جنانه، وأبل ريقه، وأسهل طريقه، وحق لمن كان أمير المؤمنين أباه، والمهدي أخاه أن يكون، كما قال الشاعر: [البسيط]
هوَ الجوادُ فإنْ تلحق بشأوهما ... على تكاليفهِ من مثله لحقا
أو يسبقاهُ على ما كان من مهلٍ ... فمثل ما قدما م صالحٍ سبقا
قال الربيع: فأقبل علي أبو عبيد الله وزير المنصور، وكان إلى جانبي وقال: ما رأيت مثل هذا الرجل، ولا سمعت أحسن من نظامه، إنه أرضى أمير المؤمنين، ومدح الغلام، وسلم من المهدي، ثم أقبل المنصور علي فقال: يا ربيع لا ينصرف التميمي إلا بثلاثين ألف درهم، فما انصرف، حتى حملت إليه معنا.
رأيت بخط شيخنا شيخ الإسلام أبي الوفا علي بن عقيل رحمه الله، قال: ذكر أبو بكر الخطيب في تاريخه بإسناده، عن عمر بن الهياج بن سعيد، قال: أتت امرأة من ولد جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شريك القاضي، وهو بالكوفة، فقالت: أنا بالله، ثم بالقاضي، وذكرت نسبها ورددت الكلام، فقال لها: أيها عند الآن من ظلمك؟ فقالت: الأمير موسى بن عيسى، وهو ابن أخي المنصور، كان لي بستان على شاطئ الفرات لي فيه نخل، ورثته عن آبائي، وقاسمت أخوتي، وبنيت بيني وبينهم حائطاً، وجعلت فيه غارساً يحفظ النخل، ويقوم ببستاني.
فاشترى الأمير موسى بن عيسى من أخوتي جميعاًَ وساومني، وأرغبني، فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة، بعث فاعل، فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من بخلي شيئاً، واختلط بنخل أخوتي، فقال شريك: يا غلام، آتني بطيئة وختم عليها، ثم قال لا أمضي إلى بابه، حتى يحضر معك، فجاءت المرأة بالطينة إلى بابه، فأخذها الحاجب ودخل على موسى، وقال: أعدا شريك عليك.
فقال: ادع لي صاحب الشرطة، فدعاه، فقال امض إلى شريك، وقل سبحان الله ما رأيت أعجب من أمرك، امرأة ادعت دعوى لم تصح ادعيتها علي.
فقال له صاحب الشرطة: إن رأى الأمير أن يعفيني من لقائه فليفعل، فقال امض، ويلك فخرج، وأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره، فلما وقف بين يدي شريك، وأدى الرسالة، فقال يا غلام خذ بيد هذا وضعه في الحبس، فقال قد والله يا عبد الله عرفت أنك تفعل بي هذا، فقدمت عليه، وبلغ موسى الخبر فوجه بالحاجب إليه، وقال: قل له هذا من ذاك رسول أي شيء عليه، فلما أدى الرسالة، قال يا غلام ألحقه بصاحبه في الحبس.