قال طاووس اليمامي، رأيت علياً كرم الله وجهه على المنبر بالكوفة، وقد خطب خطبة بليغة، قال فيها: معاشر الناس عشر خصال تقبح، قيل ما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: الغدر بالأشراف، والخدعة بالعلماء، والكبر في الأبرار، والشح بالملوك، والبخل بالأغنياء، والإزراء بالفقراء، والسفاهة بالشيوخ، والفجور بالقراء، والكذب بالقضاة، والعجلة في الأمراء.
قال الأمير عمر بن هبيرة لبعض عماله: اتخذ كاتباً، ولا تكونا نارين فتحرقا، ولا مائين فتغرقا، ولا تنفتحا، وكن ناراً وليكن ماء، وول عملك أهل البيوتات فإن عدلوا، فذاك الظن بهم، وإن لم يفعلوا كان لك عذر في توليتهم، ويكن حاجبك طلق الوجه، ينزل الناس منازلهم.
فإن حاجب الرجل وجهه قيل أن يرى فليكن وجهك حسناً، ومره أن يتلقى بالبشر، ومره أن يستقبل مصافيك ومخالصيك جذلاً مسروراً، وأن يقضي حوائجهم، ويقرب مجالسهم، بل يوجه من يكون ذلك طبعاً فيه، ولا يكون عليه مؤونة له من نفسه.
يحكى أن رجلاً وقف بين يدي الوزير مسعدة، وقد ركب في موكبه، وأظهر من الكبرياء، والجبروت ما يخرج عن حد العادة فأنشد: [الوافر]
لا تناها فوق حالك حال ... كمل الوزن وامتلأ المكيال
مثل شمس النهار لما استقلت ... في ذراها فليس إلا الزوال
وحكي عن بعض الكتاب أنه وقع إلى قاضي قم: أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم، فقال القاضي: والله ما أراد عزلي وإنما التطابق بالسجع حمله على ذلك، فما مضت أيام عدة حتى أعاده.
يقال: من استطال عليك بصورته، وبخل عليك بفضله، ففي التصاوير مثله كثير أنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
حملت جبال الحب منك، وإنّني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف
وما الحب من حسنٍ ولا من ملاحةٍ ... ولكنه شيءٌ به الروح تتلف
قال بعض الحكماء: من فعل ما شاء لقي ما لا يشاء.
وقال بعض الأدباء: أوسع ما يكون الكريم مغفرة. إذا ضاقت بالمذنب المقدرة.
ويقال: إن الاستطالة نذالة.
قيل للأحنف بن قيس: هل رأيت أحداً أحكم بياناً منك؟ قال: أي والله من تعلمت منه الحلم، قيل من هو؟ قال: قيس بن عاصم المنقري بينما هو محتبٍ بفناء بيته، أُدني بابن له، قيل قتله ابن عم له. فوالله ما تغير له وجه، ولا حل حبوته، ولكنه أمر، بأن يغسل ويوارى، ثم أرسل إلى قاتله لا يجوز أن تجري في الانتقام مجراك في الاعتداء، فأقبل إلينا آمناً، وأخبرونا بالسبب الذي هيجك على ما أحييت، ثم قال: يا غلام اذهب إلى أم القتيل بمائة من الإبل، ليسكن عنها ما تداخلها من اللوعة، ثم أنشأ يقول: [الكامل]
إني امرؤٌ لا بطئ حسبي ... دنسٌ يخالطه، ولا أفقُ
من منفرٍ في بيت مكرمةٍ ... والفرعُ بيتٌ حوله الغصنُ
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لعين عيوبه فطن
خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه أعفه لسنُ
قيل لأمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سيد قومك؟ قال: من أحوجهم الدهر إليّ.
يقال: من رغب في المكارم فليتجنب المحارم.
ويقال: أنعم الناس عيشاً من عاش غيره في ظله.
وقد روي أن كعب بن مالك، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا لما جاء البشير بنزول توبته سجد، وألقى رداءه على البشير.
قال عمران بن محمد اليقطيني: رأيت يونس بن المختار، في دار المأمون، ومرتبته أعلى المراتب، قاعداً على الأرض، فقال له الحاجب: ارتفع ي أبا المعلي إلى مرتبتك. فقال: قد رفعني أمير المؤمنين إليها وليس لي عمل بقي لها، فلم لا أكرمها عن القعود عليها إلى أن يتهيأ لي الشكر عليها، فبلغ ذلك المأمون، فقال هذا غاية الشكر وزاد في إكرامه، لمحمود الوراق: [السريع]
يا أيها الظالم في فعله ... والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى ... تشكو المصيبات وتنسى النعم
أخذ هذا من تفسير الحسن لقوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنودٌ} [العاديات:٦] قال: يعود المصائب، وينسى النعم.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أنظر معسراً إلى ميسرة كان في ظل الله عز وجل".
وروي عنه عليه السلام أنه قال من شد على أخيه في التقاضي، إذا كان معسراً شد الله عليه في قبره.