للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البعض الآخر إن شاء الله في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

وإننا ننقل ههنا بعض الآراء والوقائع التي لها علاقة مباشرة ووطيدة بالمذاهب والفلسفات الهندية.

فمنها ترك المال والخروج منه, وحتى القوت الذي يحتاج إليه لإبقاء الحياة, ثم التسول أمام الناس , والاستجداء منهم. كما ذكر أبو طالب المكي عن أحد الصوفية أنه دفع إليه كيس فيه مئون دراهم في أول النهار ففرقه كله , ثم سأل قوتا في يده بعد عشاء الآخرة (١).

وأورد الطوسي مثله عن أبي حفص الحداد أنه كان أكثر من عشرين سنة يعمل كل يوم بدينار وينفقه على الصوفية , ثم يخرج بين العشائين فيتصدق من الأبواب (٢).

والمعروف أن التسول والاستجداء والوقوف على أبواب الناس , وحمل المخلاة والكشكول من لوازم الديانة البوذية , ومن نصائح بوذا الثمانية المشهورة التي نصح بها دراويشه ورهبانه , كما أنه ألزمهم سير البراري , وقطع الصحاري , أو المكوث في الخانقاوات , والانشغال فيها بالذكر.

ولقد أخذت الصوفية هذا النظام بكامله من البوذية , وألزموا أنفسهم به , كأنهم هم الذين نصحهم بوذا بذلك فيقول الطوسي:

(الأكل بالسؤال أجمل من الأكل بالتقوى) (٣).

وقال: (كان بعض الصوفية ببغداد لا يكاد يأكل شيئا إلا بِذُلّ السؤال) (٤).

ويروي الهجويري عن ذي النون المصري أنه قال:

(كان لي رفيق موافق دعاه عز وجل إليه , وأنتقل من محنة الدنيا إلى نعمة العقبى , ورأيته في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟.

قال: غفر لي.

قلت: بأي خصلة؟.

قال: أوقفني وقال: يا عبدي , لقد تحملت كثيرا من الذّل والمشقة من السفلة


(١) قوت القلوب لأبي طالب المكي الفصل الحادي والأربعون في فضل الفقر والفقراء ج٢ ص ٢٠٦.
(٢) اللمع للطوسي
(٣) اللمع للطوسي ص ٢٥٥.
(٤) أيضا ص ٢٥٣.

<<  <   >  >>