للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان قسم منهم يسافر دوما , ولذلك سمو بالسياحيين كما قال الكلاباذي:

(ولكثرة أسفار سمّوا: سياحين , ومن سياحتهم في البراري وإيوائهم إلى الكهوف عند الضرورات سماهم بعض أهل الديار شكفتية. والشكفت بلغتهم الغار والكهف) (١).

وقد ذكر أصحاب الطبقات وكتب الصوفية أحوال الكثيرين منهم.

فيذكر أحد الصوفية القدامى الهجويري عن أبي عثمان المغربي:

(أنه في بداية حالة أعتزل عشرين سنة في البوادي بحيث لم يكن يسمع آدميا , حتى ذابت بنيته من المشقة , وصارت عيناه كسّم الخياط , وتحول عن صورة الآدميين , وجاءه الأمر بالصحب بعد عشرين عاما , وقيل له: أصحب الخلق. فقال لنفسه: فلأبدأ بصحبة أهل الله ومجاوري بيته , ليكون ذلك أكثر بركة , فقصد مكة , وأطلع المشائخ على مجيئة بقلوبهم , خرجوا لاستقباله , فوجدوه وقد تبدلت صورته , وفي حال لم يكن قد بقي عليه فيها شيء سوى رق الخلقة) (٢).

وقال أبو طالب المكي:

قد كان الخواص لا يقيم في بلد أكثر مت أربعين يوما , ويرى أن ذلك علّة في توكله , فيعمل في إختبار نفسه وكشف حاله.

وحدثنا عن بعض الشيوخ قال: (لبثت في البرية أحد عشر يوما لم أطعم شيئا) (٣).

كما يقول: (خرجت طائفة الأبدال إلى الكهوف تخلّيا من أبناء الدنيا) (٤).

ونقل السهروردي عن إبراهيم الخواص أنه ما كان يقيم في بلد أكثر من أربعين يوما , وكان يرى: إن أقام أكثر من أربعين يوما يفسد عليه توكله , فكان علم الناس ومعرفتهم إياه سببا ومعلوما.

وحكى عنه أنه قال: مكثت في البادية أحد عشر يوما لم آكل , وتطلعت نفسي أن آكل من حشيش البر , فرأيت الخضر مقبلا نحوي فهربت منه , ثم التفت فإذا هو


(١) التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ص٢٩ الطبعة الثانية مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة ١٤٠٠ هـ.
(٢) كشف المحجوب للهجويري ص ٤١٦ , أيضا تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ص ٣٤٧ ط باكستان.
(٣) قوت القلوب لأبي طالب المكي ج ٢ ص ٢٠٧.
(٤) أيضا ج ٢ ص ١٥٢.

<<  <   >  >>