للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (١).

وهو كما قال شيخ الإسلام أن الصوفية يعتقدون في أوليائهم ما يعتقد الشيعة في أئمتهم من تأليههم , وجعلهم أنبياء أو كالأنبياء , معصومين , ولو أنهم كثيرا ما يتجنبون عن استعمال هذه اللفظة , ويستبدلونها بالحفظ , ولا يقصدون من ورائها إلا العصمة التي يستعملها الشيعة توقيا وتحفظا من طعن الطاعنين واعتراض المعترضين , وسترا لتك الصلة الوثيقة التي تربطهم مع الشيعة , لو أن بعض المتهورين منهم لم يراعوا هذا الكتمان والإخفاء , وباحوا بهذا السر جهرا وعلنا , عارفين بأن تقيتهم هذه لا تسمن ولا تغني من جوع , لأن المراد من كلتا اللفظتين واحد , لا اختلاف بينهما من حيث المدلول , فقال قائلهم:

(وأما صور تلقيات الموحدين الخطابية فهو أن تنبعث اللطفية الإنسانية مجردة عن الفكر طالبة ما لا تعلم منه إلا نسبة الوجود إليه بتقييدها به فإذا نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليه بحكم التدلي أو برز له أو ظهر له اسم من الأسماء الحسنى بما فيه من الأسرار فيهبه بحسب تجريده وصحة قصده وعصمته في طريقه فيرجع إلى عالم كونه عالما بما ألقي إليه من علم ربه بربه أو من علم ربه بضرب من كونه ثم ينزل نزولا آخر هكذا أبدا (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي) وهو خير البشر وأكثرهم عقلا وأصحهم فكرة وروية فأين الفكر هنا هيهات تلف أصحاب الأفكار والقائلون باكتساب النبوة والولاية كيف لهم ذلك والنبوة والولاية مقامان وراء طور العقل ليس للعقل فيهما كسب بل هما اختصاصان من الله تعالى لمن شاء) (٢).

فاستعمل الشيخ الأكبر للصوفية العصمة للأنبياء والأولياء , وسوّى بينهما , ولم ير الفرق في كونهما مصطفين مختارين من قبل الله عز وجل , ومزلتهما ومكانتهما لا تدركان بالعقل , ومنصبهما لا يكتسب.

وقال في مقام آخر:

(إن من شرط الإمام الباطن (يعني الولي) أن يكون معصوما , وليس الظاهر إن كان غيره مقام العصمة) (٣).


(١) منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ص ١٧٤ , ١٧٥.
(٢) كتاب التراجم لابن عربي من مجموعة رسائله ص ٤.
(٣) الفتوحات المكية لابن عربي ج ٣ ص ١٨٣.

<<  <   >  >>