للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبقية العشرة المبشرة , ثم البدريون , ثم أصحاب بيعة الرضوان , ثم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار , ثم عامة الأصحاب , على ترتيب الأفضلية كما مرّ سابقا في الفصل الأول من هذا الباب.

وتبعهم في ذلك التابعون لهم بإحسان , واتباع التابعين , أصحاب خير القرون , المشهود لهم بالخير والفضيلة , ولم يكن لهؤلاء كلهم في غير رسول الله أسوة ولا قدوة , الذي قال فيه جل وعلا:

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ٧ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ٨ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ٩ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ١٠ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ١١}

والذي إذا وجد طعاما فأكل وشكر , وإذا لم يجد فرضي وصبر , وأحب لبس الثياب البيض , واكتسب جبّة رومية , ونهى عن التصدق بأكثر من ثلث المال , وأمر بحفظ حقوق النفس والأهل والولد , ونهى عن تعذيب النفس واتعاب الجسد والبدن , وحرّص متبعيه على طلب الحلال , وطلب الحسنات في الدنيا والآخرة , ومنع الله تعالى من التعنت والتطرف في ترك الدنيا وطيباتها في آيات كثيرة في القرآن الكريم , سنوردها في موضعها من الكلام إن شاء الله.

ثم خلف من بعدهم خلف فتطرفوا , وذهبوا بعيدا في نعيم الدنيا وزخارفها , وفتحت عليهم أبواب الترف والرخاء , ودرّت عليهم الأرض والسماء , وأقبلت عليهم الدنيا بكنوزها وخزائنها , وفتحت عليهم الآفاق فانغمسوا في زخارفها وملذاتها , وبخاصة العرب الفاتحون الغزاة , والغالبون الظاهرون , فحصل ردّ الفعل , وفي نفوس المغلوبين المغزوين والمقهورين , من الموالي والفرس والمفلسين وأصحاب النفوس الضعيفة المتوانية خاصة , فهربوا عن الحياة ومناضلتها , وجدّها وكدّها , ولجأوا إلى الخانقاوات والتكايا والزوايا والرباطات , فرارا من المبارزة والمناضلة , وصبغوا هذا الفرار والانهزام وردّ الفعل صبغة دينية , ولون قداسة وطهارة , وتنزه وقرابة , كما كان هنالك أسباب ودوافع ومؤثرات أخرى , وكذلك أيدي خفية دفعتهم إلى تكوين فلسفة جديدة للحياة , وطراز آخر من المشرب والمسلك , وأسلوب جديد للعيش والمعاش , فظهر التصوف بصورة مذهب مخصوص , وبطائفة مخصوصة

<<  <   >  >>