للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اعتنقه قوم , وسلكه أشخاص ساذجون بدون تفكير كثير , وتدبر عميق كمسلك الزهد , ووسيلة التقرب إلى الله , غير عارفين بالأسس التي قام عليها هذا المشرب , والقواعد التي أسس عليها هذا المذهب , بسذاجة فطرية , وطيبة طبيعية , كما تستر بقناعه , وتنقب بنقابه بعض آخرون لهدم الإسلام وكيانه , وإدخال اليهودية والمسيحية في الإسلام , وأفكارهما من جانب , والزرادشتية والمجوسية والشعوبية من جانب آخر , وكذلك الهندوكية والبوذية والفلسفة اليونانية الأفلاطونية من ناحية أخرى , وتقويض أركان الإسلام وإلغاء تعاليم سيد الرسل صلى الله عليه وسلم , ونسخ الإسلام وإبطال شريعته بنعرة وحدة الوجود , ووحدة الأديان , وإجراء النبوة , وترجيح من يسمى بالولي على أنبياء الله ورسله , ومخالفة العلم , والتفريق بين الشريعة والحقيقة , وترويج الحكايات والأباطيل والأساطير , باسم الكرامات والخوارق وغير ذلك من الخلافات والترهات.

فلم يظهر التصوف مذهبا ومشربا , ولم يرج مصطلحاته الخاصة به , وكتبه , ومواجيده وأناشيده , تعاليمه وضوابطه , أصوله وقواعده , وفلسفته , ورجاله وأصحابه إلا في القرن الثالث من الهجرة وما بعده.

وبذلك يقول ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس:

(كانت النسبة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأيمان والإسلام. فيقال: مسلم ومؤمن , ثم حدث اسم زاهد وعابد , ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد , فتخلوا عن الدنيا , وانقطعوا إلى العبادة , واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها , وأخلاقا تخلقوا بها , ثم قال: وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين , ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه , وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة , وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس , ومجاهدة الطبع بردّه عن الأخلاق الرذيلة , وجعله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إلى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الأخرى ... وعلى هذا كان أوائل القوم , فلبّس عليهم إبليس في أشياء , ثم لبس على بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن التالي فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.

وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات. فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا مايصلح أبدانهم. وشبهوا المال بالعقارب , ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى أنه كان فيهم من لا يضطجع

<<  <   >  >>