للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما انتقل الزهد إلى التصوف قالوا: لبس فلان الصوف بمعنى: أصبح صوفيا. وكذلك الحال في اللغة الفارسية: فإن قولهم (بشمينا بوش) معناه: يلبس لباس الصوف.

وقد أخذ زهاد المسلمين الأوائل عادة لبس الصوف عن رهبان المسيحيين ونساكهم , يدل على ذلك أن حماد بن أبي سليمان قدم البصرة , فجاءه فرقد السنجي وعليه ثياب صوف فقال له حماد ضع عنك نصرانيتك هذه.

وقد أطلقوا على هذه الثياب (زي الرهبان) , واستشهدوا بحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عيسى كان يلبس ثياب الصوف) (١) ... .

وقال جولدزيهر:

(وقد حاكى هؤلاء الزهاد المسلمون وعبادهم نساك النصارى ورهبانهم , فارتدوا الصوف الخشن) (٢).

هذا وبمثل هذا قال الدكتور قاسم غني:

(إن ارتداء الملابس الصوفية أو التصوف الذي نشأ عنه كلمة الصوفية كما تقدم كان من عادات الرهبان المسيحيين , ثم صار فيما بعد شعارا للزهد عند الصوفية. والدلق الذي ورد ذكره في أشعار الصوفية وكتبهم استعمل في معنى لباس الصوفية في كل مكان. أي الخرقة التي كانوا يرتدونها فوق جميع الملابس والظاهر أنها كانت من صوف. والدلق إما أن يكون من قطعة واحدة أو مرقعا , ويسمى بالدلق المرقع في هذه الحال , وإذا كان من ألوان مختلفة يسمى حينئذ (الدلق الملمع) والدلق عند صوفية الإسلام سواء كان لونه أزرق أو كان أسود يسمى دائما: (بالدلق الأزرق) وخرقة الرهبان التي كانت على ما يظهر بيضاء في بادئ الأمر صارت بعد ذلك سوداء وزمرة (السوكواران) أي المفجوعون , الذين يتكلم عنهم الفردوسي في الشاهنامة ليسوا إلا أساقفة المناظرة المسيحيين ممن لجأوا إلى إيران في القرن الثالث الميلادي وهم الذين كانوا يلبسون ملابس الصوف الخشنة على أجسامهم كي يكون ذلك نوعا من التقشف والأخششان , فكان إصطلاح (صوفي) و (وصوفية) الذي هو بالفارسية


(١) نفس المصدر ص ٦٧ , ٦٨.
(٢) المجلة الآسيوية الملكية ١٨٩١ ص ١٥٣ نقلا عن نشأة الفلسفة الصوفية للدكتور عرفان عبد الحميد ص ١١١ ط المكتب الإسلامي بيروت ١٩٧٤ م.

<<  <   >  >>