ويرى: (فون كريمر): أن التصوف الإسلامي والأقوال المأثورة عن الصوفية على أنهما ثمرات نمت وترعرعت ونضجت في بلاد العرب تحت تأثير جاهلي , حيث كان كثير من العرب الجاهلين نصارى , وكان كثير من هؤلاء النصارى قسيسين ورهباناً.
وجولد زيهر: يستند إلى ما تقرره النصرانية من إيثار الفقر والفقراء على الغنى والأغنياء , فيزعم أن ما ورد في الحديث النبوي من هذا المعنى مستمد من النصرانية , ويعني هذا أن يترتب عليه أن الفقر والتخشن في الحياة إنما يرجع إلى أصل نصراني , ويضيف عليه نيكولسون أيضاً. ما يصطنعه الصوفية من صمت وذكر فيزعم أنه مأخوذ من النصرانية.
هذا من حيث: أن التصوف زهد وطريقة في العبادة والرياضة واللباس.
أما فيما يتعلق بها من حيث هي مذاهب تصور منازع أصحابها الفلسفية واتجاهاتهم الروحية والفلسفية معاً: فإن هناك طائفة من القصص والأقوال التي تروي عن المسيح مما ورد في كتب الصوفية أنفسهم , ويمكن أن يؤخذ على أنه مصدر لبعض المذاهب الصوفية الإسلامية ....
على أننا لا ننكر ولا أحد يستطيع أن ينكر ما يوجد من أوجه الشبه بين حياة الزهاد ولباسهم وبعض تعاليم الصوفية وطرقهم في العبادة ومذاهبهم في الحب الإلهي , وبين حياة الرهبان ولباسهم , وبعض ما اثر عن المسيح وحوارييه من أقوال في المحبة وغيرها من شئون الحياة الروحية.
فإننا لا نستطيع مع ذلك أن نجزم بأن مصدر التصوف والحياة الروحية في الإسلام إنما هو نصراني صرف.
فصحيح أيضا أنه كان ممن مال إلى الرهبنة من العرب من يبني الأديرة - فقد روى عن حنظلة الطائي أنه فارق قومه وتنسك , وبنى ديراً بالقرب من شاطئ الفرات حيث ترهب فيه حتى مات , وكذلك قيل عن قس بن ساعدة كان يتقفر القفار , ولا تكنه دار , يتحسس بعض الطعام , ويأنس بالوحوش والهوام.
وصحيح أنه يروي عن أمية بن أبي الصلت أنه ليس بالمنسوخ تعبداً وأن لكل من قس وأمية نثرا وشعراً وطبعاً بطابع ديني , وأصطبغا بصبغة الزهد في الدنيا والنظر في الكون , وصحيح بعد هذا كله , وفوق هذا كله , أن القسس والرهبان كانوا ينبثون منا