للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهناك في أسواق العرب ويبشرون ويتحدثون عن العبث والحساب والجنة والنار كما يدل على ذلك كثير من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عنهم وتحكي أقوالهم وتفند مذاهبهم.

وتصور إلى أي حد كانت تعاليمهم بين العرب , فهذا كله صحيح لا شبهة فيه ولا غبار عليه ولكن الذي ليس بصحيح هو أن نجعل منه أساساً يبني عليه القول بأن وحدة مصدر التصوف الإسلامي.

ولكن هناك تساءلاً وهو لماذا يقصر الباحثون أنظارهم على حياة المسيح وأقواله والرهبان وأحوالهم حين يحاولون ربط الصوفية بالمصادر النصرانية ولم لا يجوز أن يكون هذا التصوف أيضاً كان مسايرة لطبيعة الحياة العربية الجاهلية.

وقد كانت وقتئذ حياة خشنة لا حظ لها من ترف , ولا أثر فيها لنعومة بحيث يمكن أن يقال: إن حياة الزهاد والصوفية في الإسلام إنما هي استمرار لهذه الحياة الخشنة البعيدة عن الزخرف والنعيم , والتي كان يحياها العرب الجاهليون بصفة عامة , والتي تصطبغ عند بعضهم بصبغة الخلوة والانقطاع عن الناس , إلى التفكر والتقرب من الآلهة يلتمسون عندهم الخير والحكمة؟

بل وما الذي يمنع أيضاً من أن يكون مرجع الحياة الروحية الإسلامية هو مذهب الحياة التي كان يحياها قوم في الجاهلية يعرفون ببني صوفة , الذين انفردوا لخدمة الله عند بيته الحرام؟

ومع هذا لا أحد ينكر ما للمسيحية والرهبان من تأثير بالغ في الحياة الجاهلية السابقة.

وبالإضافة إلى ما نلتقي به في ثنايا بعض النظريات الصوفية في الحب الإلهي ببعض الألفاظ والعبارات والعقائد التي هي من أصل نصراني مثل القول: (باللاهوت والناسوت) أو (حلول اللاهوت في الناسوت) أي حلول الإله (اللاهوت) في المسيح الإنسان (الناسوت) أو حلول الأول في الثاني إذا بلغ هذا درجة معينة من الصفاء الروحي.

ومثل القول (بالكلمة) التي هي في النصرانية واسطة بين الله والخلق , والتي اصطنعها بعض الصوفية في التعبير عن نظرياتهم في الحقيقة المحمدية , باعتبارها أول مخلوق خلقه الله , أو: أول تعين للذات الإلهية فاضت منه بقية التعيينات الأخرى

<<  <   >  >>