للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من روحية ومادية , ولم تظهر هذه العناصر النصرانية وأشباهها إلا بعد أن كان المسلمون قد اختلطوا بالنصارى وأخذوا يحاورونهم ويجادلونهم في العقائد , فكان طبيعيا أن ينتشر بعض هذه العقائد النصرانية , وأن يعمل عمله في البيئة الإسلامية , ويتردد صداه في أقاويل الصوفية ومذاهبهم في الحب الإلهي وفيما يتصل به , من اتحاد بين الرب والعبد , ومن حلول الرب في العبد.

وهذا أمر طبعي ملازم لسنة الحياة وتطورها: إذ لا يمكن وقد تطور التصوف وقد استحال إلى علم له مناهجه ومذاهبه ومنازعه الروحية المصطبغة بصبغة فلسفية , أن يظل الصوفية بمعزل عن هذا الجو الذي امتلأ بالأفكار والعقائد النصرانية وما يدور حولها وجدل بين المسلمين والنصارى دون أن يكون له أثر فيما صدر عنهم من أقوال , وما ذهبوا إليه من مذاهب , لا سيما إذا كانت هذه الأقوال والمذاهب تدور حول مسائل تتصل من قريب أو بعيد بالعقائد) (١).

ويقول الدكتور التفتازاني بعد الرد على المستشرقين القائلين بأن كثيرا من أمور التصوف مأخوذة من النصرانية , يقول بعد الرد عليهم:

(ومع هذا لا ننكر تأثر بعض الصوفية المتفلسفين بالمسيحية , على نحو ما نجد عند الحلاج الذي استخدم في تصوفه اصطلاحات مسيحية كالكلمة واللاهوت والناسوت وما إليها , ولكن هذا لم يظهر إلا في وقت متأخر (أواخر القرن الثالث الهجري) بعد أن كان زهد الزهاد قد استقر في القرنين: الأول والثاني الهجريين , واصبح دعامة لكل تصوف لاحق.

ولذلك فإن من الإنصاف العلمي القول بأن مذاهب الصوفية في العلم , ورياضاتهم العلمية , ترد إلى مصدر إسلامي , إلا أنه بمرور الوقت وبحكم التقاء الأمم واحتكاك الحضارات , تسرب إليها شيء من المؤثرات المسيحية أو غير المسيحية , فظن بعض المستشرقين خطأ أن الصوفية أخذوا أول ما أخذوا عن المسيحية) (٢).

فهذه هي خلاصة الكلام في ذلك , نكتفي بها ظانين بأنها كافية لجلاء الموضوع , وتنوير الطريق لمن أراد أن يتقدم إليه ويسلك فيه.


(١) أضواء على التصوف للدكتور طلعت غنام ص ٨٤ إلى ٨٨ ط عالم الكتب القاهرة.
(٢) مدخل إلى التصوف الإسلامي للدكتور أبي الوفاء الغنيمي التفتازاني ص ٢٩ , ٣٠ ط دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة.

<<  <   >  >>