بالحدث والتقريب, والبحث والتنقيب؛ عدد الألوان فِي الكثرة والقلة, وافتنانها فِي الطيب واللذة؛ فيقدر لنفسه أَن يشبع مَعَ آخرها, وينتهي عِنْدَ انتهائها؛ ولا يفوته النصيب من كثيرها وقليلها, ولا يخطئه الحظ من دقيقها وجليلها؛ ومتى أحس بقلة الطعام, وعجزه عَنِ الإقوام؛ أمعن فِي أوله إمعان الكيس فِي سعيه الرشيد فِي أمره, المالئ لبطنه من كُل حار وبارد, فَإِنَّهُ إِذَا فعل ذَلِكَ سلم من عواقب الأغمار؛ الَّذِينَ يكفون تظرفا, ويقلون تأدبًا؛ ويظنون أَن المادة تبلغهم إِلَى آخر أمرهم, وتنتهي بِهِمْ إِلَى غاية شبعهم؛ فلا يلبثون أَن يخجلوا خجلة الوامق, وينقلبوا بحسرة الخائب؛ أعاذنا اللَّه من مثل مقامهم, وعصمنا من شقاء جدودهم.
وآمره أَن يروض نَفْسه, ويغالط حسه؛ ويضرب عَن كثير مِمَّا يلحقه صفحا, ويطوي دونه كشحًا؛ ويستحسن الصمم عَنِ الفحشاء, ويغمض عَن اللفظة الخشناء؛ وإن أتته اللكزة فِي حلقه, صبر عَلَيْهَا فِي الوصول إلي حقه؛ وإن وقعت بِهِ الصفعة فِي رأسه, أغضى عَنْهَا لمراتع أضراسه؛ إِن لقيه لاق بالجفاء, قابله باللطف والصفاء؛ إِذَا كَانَ إِذَا ولج الأبواب, وخالط الأسباب؛ وجلس مَعَ الحضور, وامتزج بالجمهور؛ فلابد أَن يلقاه المنكر لأمره, ويمر بِهِ المستغرب لوجهه؛ فَإِن كَانَ حرا حييا أمسك وتذمم, وإن كَانَ فظا غليظا همهم وتكلم؛ وأن يجتنب عِنْدَ ذَلِكَ المخاشنة, ويستعمل مَعَ المخاطب لَهُ الملاينة؛ ليرد غيظه, ويفل حده, ويكف غربه؛ ثُمَّ إِذَا طال المدى تكررت الألحاظ عَلَيْهِ فعرف, وأنست النفوس بِهِ فألف؛ ونال من الحال المجتمع عَلَيْهَا, منال من جشم وسئل العناء إِلَيْهَا؛ ولقد بلغنا أَن رجلا من هذه العصابة, كَانَ ذا فَهُمْ ودراية, وعقل وحصافة؛ طَفْل عَلَى وليمة لرجل ذيحال عظيمة, فمرقته فِيهَا من الْقَوْم العيون, وتصرفت بِهِمْ فِيهِ الظنون؛ فَقَالَ لَهُ قائل مِنْهُم: من تكون أعزك اللَّه؟ فَقَالَ: أنا