ثِيَابِي وَخَرَجْتُ, وَإِذَا أَنَا بِالطُّفَيْلِيِّ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّأَهُّبِ, فَتَقَدَّمْتُ وَتَبِعَنِي, فَلَمَّا دَخَلْنَا دَارَ الأَمِيرِ جَلَسْنَا سَاعَةً, وَدُعِيَ بِالطَّعَامِ, وَحَضَرَتِ الْمَوَائِدُ, وَكَانَ كُلُّ جَمَاعَةٍ عَلَى مَائِدَةٍ لِكَثْرَةِ النَّاسِ, فَقَدِمْتُ إِلَى مَائِدَةٍ وَالطُّفَيْلِيُّ مَعِي, فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ وَشَرَعَ لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ, قُلْت: أَخْبَرَنَا دُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ, عَنْ أَبَانِ بْنِ طَارِقٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَأَكَلَ طَعَامَهُمْ, دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مغيرا" (أبو داود, رقم: ٣٧٤١) , فلما سَمِعَ ذَلِكَ, قَالَ: أَنِفْتُ لَكَ وَاللَّهِ أَبَا عَمْرٍو مِنْ هَذَا الْكَلامِ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِلا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّكَ تَعْرِضُ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ, أَوَ لا تَسْتَحِي أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلامِ عَلَى مَائِدَةِ سَيِّدِ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ, وَتَبْخَلَ بِطَعَامِ غَيْرِكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ, ثُمَّ لا تَسْتَحِي أَنْ تُحَدِّثَ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ, عَنْ أَبَانِ بْنِ طَارِقٍ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ! تَحْكُمُ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلافِهِ, لأَنَّ حُكْمَ السَّارِقِ الْقَطْعُ, وَحُكْمَ الْمُغِيرِ أَنْ يُعَزَّرَ عَلَى مَا يَرَاهُ الإِمَامُ؛ وَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ, عَنْ جَابِرٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ, وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ, وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يكفي الثمانية" (البخاري, رقم: ٥٣٩٢؛ ومسلم, رقم: ٢٠٥٩) , وهو إسناد صحيح.
قَالَ نصر بْن عَلِي: فأفحمني, فلم يحضرني لَهُ جواب, فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق إِلَى الجانب الآخر بَعْد أَن كَانَ يمشي ورائي, وسمعته يَقُول:
ومن ظن مِمَّن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب فَقَدْ ظن عجزًا.