للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإغرام، من قولك: أغرمته مالاً. ألغزته عن الإغرام في الشعر، وهو ضرب من التضمين أيسر منه. وقال قوم: بل الإغرام أن يتم البيت ولا تتم الكلمة. وذلك مفقود في أشعار المتقدمين، وربما تكلفه المولدوه.

كما قال بعضهم:

أَبا بكرٍ لقد جاءَتْك عن يحيى بن منصو

رِ الكأسُ فخذْها منه صِرفاً غيرَ ممزو

جةٍ جنّبكَ اللهُ أَبا بكرٍ من السُّو

وعنيت بالإجازة، المصدر من قولك: أجزت القوم دار المخافة، إذا عبرتهم إياها. ألغزتها عن الإجازة في الشعر، وهو اختلاف حركة ما قبل حرف الروي في الشعر المقيد، كما قال امرؤ القيس: " أني أفر " ثم قال: " جميعاً صبر " ثم قال: " واليوم قر " والإجارة، أردت بها: أجرت القوم من العدو. ألغزتها عن الإجارة في الشعر، وهي مثل قول الراجز:

باتتْ وباتَ ليلُها دَبا دبا ... يَتبعْنَ محبوكَ القَزالِ أَخدَبا

فهو أَخٌ لهذه وعَمُّ تا

وعنيت بالتأسيس، المصدر من: أسست البناء. وإنما أردت تأسيس السور. ألغزته عن تأسيس الشعر. وهو أن تجيء فيه ألف بينها وبين حرف الروي حرف واحد، كألف: ناصب، ونحوها.

وعنيت بالوصل، اتصال المطر، من قول الشاعر:

سُحَيْراً وأَعناقُ المَطِيِّ كأَنها ... مدافعٌ ثُعْبَانٍ أَضرَّ بها الوصْلُ

يريد اتصال المطر. والثعابن ينشد هنا بالعين، ولو أنشد بالغين المعجمة لصلح. ألغزته عن وصل الشعر، وهو ألف أو ياء أو واو أو هاء، يكن بعد حرف الروي.

والخروج، أردت به خروج الناس للقتال، ألغزته عن الخروج في الشعر، وهو ألف أو واو أو ياء، يكن بعد هاء الوصل المتحركة.

وقد يحتمل أن أعني بالوصل، وصل القوم خروجهم بعضه ببعض.

وإنما حملته على المطر في القول الأول، لأن المرجفين من أهل ملة العدو يزعمون أنه يؤخر خروجه إلى الشتاء. وأحلف إن كان عزم على الخروج في الربيع ثم انكسر عن ذلك، إنها لأول هزيمة. والكسر إن شاء الله يتبع الكسر، كما قرأ بعض الأعراب: " الحمد لله رب العالمين " فأتبع الكسر الكسر.

أو ليس المتحاربون يواعد بعضهم بعضاً الربيع ونبات الروض؟ ولذلك قال القائل:

قد كنتَ تأَمَنُنا والجَدْبُ دونَكُمُ ... فاحذرْ إِذا بُقْقُ أَولادِ الجرادِ نَزا

وأنشد " ابن الأعرابي ":

وقد جعلَ الوَسمِيَّ يُنبِتُ بيننا ... وبين بَنِي رُومانَ نَبْعاً وشَوْحَطَا

أي تقتتل إذا أنبت الروض، فنترامى عن قسى النبع والشوحط. وقال آخر:

وفي البَقْلِ إِن لم يدفعِ اللهُ شَرَّه ... شياطينُ ينزو بعضُهن على بَعْضِ

وقال " الإيادي ":

قومٌ إِذا نَبَتَ الربيعُ لهم ... نبَتَتْ عَداوتُهم مع البَقْلِ

ومن هذا النحو، بيت ينشده أصحاب المعاني:

لو وصلَ الغيثُ أَبْنَيْنَ امرأَ ... كانت له قُبَّةٌ، سَحْقَ بجادْ

أصحاب يلو جاء المطر واتصل، لرعت الخيل النبت فقويت على الغزو والغارة، فأغرنا على الرئيس صاحب القبة فاحتاج، لأخذنا قبته، أن يتخذ بجاداً خلقاً على عمودين يستتر به ويستظل.

وبعض أهل العلم ينشد هذا البيت:

لو وَصَلَ الغيثُ لأَبْنَيْنَ امرأً

وكذلك ذكره " أبو عمر " في كتاب الياقوت. وهو خطأ لا محالة.

وإنما يفعل ذلك من لا معرفة له بعلم الأوزان، لأنه يرى الوزن وقد نفرت منه الغريزة، فيجذبه بطبعه إلى ما يألف. ألا ترى أن قوله:

لو وَصَلَ الغيثُ لأَبنيْنَ امرأً

هو نصف الرجز التام تقبله الغريزة بلا إنكار؟ إلا أنه إذا فعل به ذلك بعد شكله من النصف الثاني. وقد روت الرواة أشياء كثيرة فأفسدوها في النقل. وسبب ذلك، الذي أخبرتك به. وهذا البيت في أبيات توجد في كتاب الصعاليك الذي يرويه " علي بن سليمان " وهي لرجل من اللصوص. وفيه أبيات قد لحقها في النقل من الفساد مثل ما لحق هذا البيت في رواية رواية من قال: " لأبنين امرأ " والأبيات:

سائِلْ سُلَيمى إِذا لاقيتَها ... هل تُبْلَغَنْ بلدةٌ إِلا بِزَادْ

قل للصعاليكِ لا تَسْتَحسِروا ... من التماسٍ وطَوفٍ بالبلادْ

فالسَّيرُ أَحْجَى على ما خيَّلت ... من اضطجاعٍ على غَيْرِ وِسَاد

لو وصلَ الغيثُ أَبْنَيْنَ امرأَ ... كانت له قُبَّةٌ، سَحْقَ بِجادْ

<<  <   >  >>