للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهل الفلسفة يزعمون أن البلاد الوخمة، يكون أهلها أصح أفهاماً من أهل البلاد الصحيحة، لأن الهواء إذا صح والماء إذا كان نميراً، دعوا إلى شهوة الطعام، والاستكثار منه مضر بالفهم. وقد قال الأولون: البطنة تذهب الفطنة.

ويقال إن بعض الفلاسفة أراد ملك من الملوك قتله، فتحوب من قتله بالسيف، فأعطاه قدحاً فيه سم ليشربه، وأعلمه بذلك فظهرت منه مسرة وفرح. فقال له أصحابه: ما هذا أيها الحكيم؟ فقال هل أعجز أن أكون مثل ققنس؟ أو كنا تقول لهؤلاء السفهاء: إن " السيد عزيز الدولة " أعز الله نصره، يراسل أمير المؤمنين في خرق " بحر القلزم " إلى " بحر الروم " ليكثر الماء على مدينتهم فيغرقها. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: " لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

أراد بالخزي فتح مدينتهم العظمى، ولا بد لها أن تفتح فيما يقال.

والله يجعل ذلك على يدي " السيد عزيز الدولة، أعز الله نصره ".

وزعيم الروم قد ألف الغدر ونشأ عليه من شب إلى دب:

والشيخُ لا يتْركُ عاداتِه ... حتى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ

وقال " حاتم بن عبد الله الطائي ":

ومَنْ يبتدعْ خِيماً سوَى خيمِ نفسه ... يَدَعْه ويَغلبْه على النفسِ خِيمُها

وإنما قلت ذلك لأنه خرج إلى هذه البلاد مرتين وهو فيما يزعم سلم للحمدانية، فجعل غنيمته من رعاياهم وبلادهم في المرتين. وقد طرقت سرية له " معرة النعمان " في سنة خمس وثمانين، فكان مثله مثل " عمرو بن هند " والطائيين: كان بينه وبينهم عهد، فغزا " عمرو " في جيش فأخفق، فلما قفل المريض بقوم من طيء يسكنون السهل فأخذهم ففي ذلك يقول " عارق الطائي ":

أَلا حَيِّ قبل البَيْن من أَنت عاشقُهْ ... ومَنْ أَنتَ موموقٌ إِليه ووامقُهْ

ومَنْ لا تُوَاتى دَارُه غيرَ فَيْنةٍ ... ومَنْ أَنت تبكي كلَّ يومٍ تَفارقُه

تَحُثُّ بصَحراءِ الثوِيةِ ناقتي ... كعَدْوِ رَبَاعٍ قد أَمَخَّتْ نواهِقُه

إِلى الملك الجبرِ ابنِ هند تزورُه ... وليس من الفَوْتِ الذي هوَ سابقُه

أَكُلُّ خميس أَخطأَ الغُنْمَ مَرَّةٌ ... فَصادَفَ حَيّاً غافلاً فهو سائقه

فإِن نساءً غير ما قال قائلٌ ... غنيمةُ سُوءٍ بينهن مَهارقُه

ولو نيلَ فيما بيننا لحمُ أَرنبٍ ... وفَيْنَا، وهذا العهدُ أَنت مغالِقُه

حلَفتُ بهَدْيٍ مُشعَرٍ بَكَراتُه ... تُحَثُّ بصحراءِ المَرِيطِ دَرادِقُه

لَئِنْ لم تُغيِّرْ بعضَ ما قد صنعتُمُ ... لأَنتحِيَنْ لِلعَظمِ ذو أَنا عارقُه

فأما إيعاده فعجز وفشل. والمثل السائر: الصدق ينبي عنك لا الوعيد.

وأما " القلعة " أدام الله حمايتها، فكما قال القائل:

فما تَبْلغُ الأَرْوَى شماريخَها العُلاَ ... ولا الطيرُ إِلا نَسْرُها وعُقَابُها

ولا طمِعتْ فيها أَمانيُّ طالبٍ ... ولا نَبحَتْ إِلا النجومَ كِلابُها

وقال " عمرو بن أمامة " لعمرو بن هند:

مَنْ مُبلغٌ عمرَو بنَ هند رسالةً ... إِذا استَحْقَبَتْها العِيسُ تَهوِي من البُعْدِ

أَيوعِدُني والرمْلُ بيني وبينَه ... تأَمَّلْ رُوَيداً ما أُمَامَةُ من هنْدِ

ومن أَجَأٍ حولي رِعانٌ كأَنها ... قنابلُ خَيْل من كُمَيتِ ومن وَرْدِ

غَدَرْتَ بأَمْرٍ أَنتَ كنتَ اجتذبتَنا ... إِليه، وبئسَ الشِّيمَةُ الغَدْرُ بالعَهْدِ

وقد يَترُكُ الغَدْرَ الفتى وطعامُه ... إِذا هو أَمسى، جُلُّهُ من دَمِ الفصْدِ

فويحه! ألا فعل فعل " عامر بن حوين الطائي " مع " امريء القيس ابن حجر "؟ وذلك أن " امرأ القيس " لما قتل أبوه وتشتت ملك بني آكل المرار، جاوز جبلي طيء فنزل ب " عامر بن جوين " وهو بالجزع.

<<  <   >  >>