وكانت هذه الواو من صواحب " رب " القديمة في قولك: ورب غارة، ورب بلد. فمثلها مثل صاحب المنصرف ولا معتبة عليه في القدر بل قد انصرف والعامة تثني عليه بالرأي والشجاعة، ولكن المنصرف للأقدار، قال الراجز
يا أَيُّها المُضْمِرُ هَمّاً لا تُهَمّْ
إِنكَ إِنْ تُقدَرْ لكَ الحُمَّى تُحَم
ومثله ومثل " السيد عزيز الدولة، أعز الله نصره " مثل الفعلين الأول والثاني يجتمعان على طلب العمل في الاسم فيكون العمل والقوة للثاني لأنه أقرب وعلى ذلك ورد كلام العرب، وبه أخذ أصحاب النظر من أهل البصرة. قال " طفيل " فأعمل الثاني:
جَنَبْنَا من الأَعرافِ أَعرافِ يَمْنةٍ ... ومن هَضْبِ لُبْنَ الخيلَ يا بُعدَ مَجْنبِ
وِرَاداً وحُوّاً مُشرِفَا حَجَباتُها ... بناتِ حِصانٍ قد تُعُولِمَ مُنجِبِ
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَن متونَها ... جرى فوقَها واستشعرتْ لَوْنَ مُذْهَب
فجعل العمل للثاني وهو: استشعرت، لأنه أقرب إلى لون مذهب.
وقال آخر:
فإِنَّ حَراماً أَنْ أَسُبَّ مُقاعِساً ... بِآبائِيَ الشُّمِّ الكرامِ الخضارمِ
ولكنَّ نِصْفا لو سَبَبت وسَبَّني ... بنو عَبدِ شمسٍ من مَنافٍ وهاشِمِ
فأعمل " سبنى " لأنه أقرب.
والملوك بعد ينقسمون كانقسام الأفعال، فمنهم " من يشبه فعله الفعل المتعدي إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما مثل: ظننت وخلت وبابهما، وذلك من الملوك من يعمل فعله في رعيته ولا يكون له بد من محاربة عدوه. ومنهم من هو كالفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، مثل أعطيت وكسوت، وذلك الذي يعمل فعله في رعيته فيكون له عدو مرة يحاربه ومرة يسالمه. وأما الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد فمثله كثير من الملوك والعامة والولاة: فملك يعمل فعله في الرعية فقط وذلك الذي تكون فوق يده يد عالية، ووال ينفذ فعله في أهل ولايته، وعامي ينفذ فعله في أهله وعياله.
والوحيد من بني آدم مثله مثل الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول، مثل قام وقعد، وإنما هو مقصور على فاعله لا غير. وفعل لا يصل إلى العمل إلا بحرف جر مثل مررت وبابها، ومثله مثل الأعمى والأعرج لا يصلان إلى كثير من المآرب إلا بمعين. ومن الأفعال ما له فاعل لا يظهر، وذلك فعل التعجب في قولك: ما أحسن زيداً، فذلك مثل لمن لزم بيته من الناس فلم يتصرف مع القوم ولم يعايش العوام. ومن كان من أو زاع الناس يدبر ابنه وأخاه دون غيره، فهو بمنزلة كان وأخواتها تعمل في فاعل ومفعول وهما لعين واحدة. وفي الملوك من يكون فعله كالفعل المتعدي إلى مفعولين ثم يلغي بعد ذلك، مثل ما قال " اللعين المنقري ":
أَبا الأَراجيزِ يا ابنَ اللؤمِ تُوعِدُني
وفي الأَراجزِ، خِلتُ، اللؤمُ والخوَرُ
فذلك مثل الملك الذي زالت مملكته. وكذلك في العامة من يكون مثله مثل كان، يرفع الفاعل وينصب المفعول، ويعمل في الحال والظرف، فبينا هو كذلك جاءه بعض الأقضيه فصار كأحد الحروف الملغاة، مثل ما أنشد " يحيى بن زياد الفراء ":
لقدْ أَسمى وشرَّف حين عُدَّتْ ... لي الأصهارُ ربيِّ في كلابِ
سَراةُ بني أَبي بَكْرٍ تَسَامَى ... على كان المطَهَّمةِ الصِّلابِ
فكان، هاهنا ملغاة.
فلما أسفر الصبح وظهرت الجالية بالفرثد وبالأطفال، سمع الشاحج أصوات القوم، فجاز أن ينطقه الله سبحانه فيقول: " القارعة، ما القارعة، وما أدراك ما القارعة، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث " الآن صرح الحق عن محضه. وظهر نجيث القوم:
قد صرحتْ بِجِلدان إِليها أمُّ ذبانْ
ضَرْباً كإِيزاغ الضانِ
أَجْمَعوا أَمرَهُمْ بلَيْلٍ فلما ... أَصبحوا أَصبحتْ لهم ضوضاءُ