للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَغنى امرؤُ ما قِبَلَه

إِذ قاتلت تيمٌ وفرَّت حنظلَه

واستوعَلتْ كلبٌ وكانت وعِلَه

فالبيتان الأولان يقصران عن البيتين الأخيرين قصراً ليس بخاف.

فذلك مثل وسوق الجالية لأنها ليست تعتدل إذ كانوا ليسوا أهل ظعن وارتحال فيعرفوا أمر الإيساق، ويمنعهم الخوف من الأناة. فإذا كان الأمر على ما أصف أسرع الإنكسار إلى ما يحملون من الخزف والزجاج، لأن وسوقهم لا يمكن فيها التعديل. فإن كانت لن يا ثعال رغبة في الكامخ أو البن فتتبع آثار الجالية فإنك لا تعدم جرة كسيراً قد اجتهد صاحبها أن تثبت له في الوسق فأعيت عليه وزلت في ذلك إلى الأرض، أو علقها بأذنها فضعفت أن تحملها فلقيها القهقر في الأرض الجرولة فرأيت خبيئها وقد طلى به وجه المعز، وكان ربها البائس قد أعده لطلي به رغيفاً بعد رغيف، كما ضمخ وجه المترف من الملوك بالغالية وفنيق الأناب؛ وإن الجهل ليصنع بأهله أكثر من هذا الصنيع. أفلا ينظر هؤلاء القوم حقيقة النظر ويعطون قوس الرمي " عميرة "، وصعدة الخط " ردينة "، ويؤتون " عمراً " الصمصامة، ويلقون السهم الأقذ إلى الرائش بطبته، ويتكلون بعد الله العظيم على سياسة " السيد عزيز الدولة أمير الأمراء " - أعز الله نصره؟ فإنه شراب بإنقاع! قد آل وائل عليه، وركب الصعبة والذلول، وطعن بتام وقصير، وضرب العدو بالجراز بعد الجراز، ونزع في العاصية والمطيعة، فهو كما قال الأول:

يا تَمْلِكُ يا تَمْل ... ذواتِ الطوقِ والحِجْلِ

ذَريني وذَرِي عَذْلي ... فإِن العَذْلَ كالقتلِ

ومني نظرةٌ بعدي ... ومني نظرةٌ قَبْلي

حذارِ الأَسدِ الضيغ ... م أَو في نظرةٍ مثلي

وقد أَبدأُ بالطعنةِ ... م تثنى سَنَنَ الرّجْلِ

كجَيْبِ الدفنِس الورها ... ءِ رِيعتْ وهي تَستغلي

وقد أَسبقُ بالضربة ... م لا يَدمَى لها نَصْلي

وقد أَنزَعُ في الزوراءِ ... تُعطِيني على بُخلِ

فمثله - أعز الله نصره - مثل السيف الصارم تجده على الوحدة أهيب من النبل الزائدة في العدة. وفي الكتاب المحفوظ: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين "، وقال القائل في القديم الأزمان:

تركْنَا بني أَسماءَ، منهم مُحَلَّماً ... ومُرَّةَ يَحبُو وابنَ ضمرَةَ حِذْيَما

وما إِنْ قتلناهم بأَكثرَ منهم ... ولكنْ بأَوْفَى في اللقاءِ وأَكرَما

لقد حملهم الفرق على الخرق، فسوق يلقون شظفاً من العيش وتنزل بهم الضرورة الناقلة من حال إلى حال، فإن هذه الآونة تحمل القاطع على أن يصل والمهاجر صاحبه أن يعطف ويعتذر، ولم يفعلا ذلك رغبة في صلة الرحم ولا تحوباً من سوء القطيعة، وإنما ذلك للضرورة الحادثة، فأشبها فيما فعلاه حال الشاعر إذا وصل همزة القطع، كما قال " أبو زبيد " وذكر كلباً له يسمى أكدر:

فأَيْقنَ اكْدَرُ إِذ صاروا ثمانيةً ... أَنْ قد تفرَّدَ أَهلُ البيت بالثُمُنِ

وبعض الناس تؤضه الشدة إلى قطع الحميم وفراق الأليف وعقوق الوالد والولد، فيكون مثله مثل الشاعر لما اضطر لقطع ألف الوصل كما قال الراجز:

لَمَّا رأَتْ شيبَ القذالِ عيسا

وفوقَ ذاكَ لِمَّةً خَلِيسا

قَلَتْ وِصَالي واصطفتْ إِبليسا

وصامَت الإثنينِ والخَمِيسَا

عبادةٌ كنتُ بها نِقْرِيسا

والشدائد في هذه الروعات تحمل المتطاول من القوم على أن يتواضع، والغنى على أن يتهيأ بهيئة الفقير فيشبه الممدود إذا قصر كما قال " العرجى ":

أَنْزَلَ الناسَ في الظواهرِ منها ... وتَبَوَّى لنفسِه بَطْحَاهَا

والطمع من أهل الخسة في مثل هذه الحادثة يحسن لهم التطاول وتتبع رحال الضعفاء، فيكون مثلهم مثل المقصور إذا مد، كما قال الراجز:

يا لَكَ من تَمرٍ ومن شيشاءِ

٣ي - َنشَبُ في المَسْعَلِ واللَّهاءِ وهذه النائبة تلزم الذين يتظاهرون بالعدم والفقر، أن يخرجوا ما يخفون من الذخيرة، يستعينون بها على اكتراء الحمار والراحلة، فيكون مثلهم مثل المدغم أظهرت الضرورة ماعنده، كما قال " العجاج ":

إِنَّ بَنِيَّ لَلِئامٌ زَهَدَهْ

<<  <   >  >>