للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما ليَ في صدورهم من مَوْدَدَه

يريد: مودة. قال " زهير ":

ما يَلْقَها إِلا بِشِكَّةِ باسلٍ يَخشى الحوادثَ حازمٍ مُسْتَعدِدِ

أي: مستعد. وعند هذه النازلة ترى المريض والزمن وغيرهما من أهل العاهات، قد تشبهوا بالأصحاء السالمين فبان فيهم ذلك وظهر منهم التكلف، وكان مثلهم مثل المعتلات نحو قاض وغاز يصيران في الضرورة كصحاح الأسماء، وذلك بمشقة ليست بالخافية، كما قال الراجز:

قد عجبتْ مني ومن يُعَيْليَا

لما رأَتْني خَلَقاً مُقْلَولِيا

وقال: الفرزدق ":

فلو كان عبدُ الله مولًى هجَوتُه ... ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيَا

وقال آخر:

لا بارَكَ اللهُ في الغوانِيَ هل ... يُصبِحْنَ إِلا لَهنَّ مُطَّلَبُ

والخوف إذا وقع بغتة، رأيت المعروف بالحزامة وأخا التجربة ومن كان مشهوراً بالجرأة، قد حمله الحزم واللب على قلة الانبعاث وكلول الغرب، فصار كأنه الظعينة من خوف العاقبة وانفلال الحد، فيكون مثله مثل المذكر من الأسماء إذا انث للضرورة كما قال القائل:

وحَمَّالُ المِئينَ إِذا أَلَحَّتْ بنا الحدثانُ والأَنِفُ الغيورُ

وإذا فجئت هذه الملمة وغيرها من الملمات، حسنت للنساء ذوات الخفر أن يتبرجن ويجرين في المشي والعمل مجرى الرجال، فيكون مثلهن مثل المؤنث إذا ذكر عند الحاجة، كما قال الشاعر: " عامر بن جوين الطائي ":

فلا دِيمةٌ ودقَتْ وَدْقَها ... ولا أَرضَ أَبْقَلَ إِبقالَها

وربما رأيت الجماعة الكثيرة وهم لقلة البصيرة وطيران الألباب يجرون مجرى الفذ ممن الرجال، فيكونون كالجميع من الأسماء إذا جاء مؤخر الخبر أو لم يتصل بفعله الضمير إذا أخر، كما قال الشاعر، أنشده " الفراء " عن " المفضل الضبي ":

أَلا إِن جِيراني العَشِيةَ رائح ... دعَتْهم دواعٍ من هوىً ومَنادِحُ

وما قال آخر:

يا عمْرُو جِيرانُكم باكِرُ ... فالقَلْبُ لا لاهٍ ولا صابِرُ

وقال الراجز:

بَالَ سُهَيْلٌ في الفَضِيخِ ففَسَدْ

وطابَ أَلبانُ اللقاحِ وجَرَدْ

وقال " الحطيئة ":

وإِني لأَرجو، وإِن كان نائياً ... رجاءَ ربيعٍ أَنْبَتَ البقْلَ وابِلُهْ

لِزُغْبٍ كأَفراخِ القَطا راثَ خَلْفُها ... على عاجزات النهض حُمْرٍ حواصِلُه

فأما الوادع فإنه إذا عصفت به شمال الرعب زف راله وفزعت أجراله، فكان مثله مثل الساكن إذا حرك لإقامة الوزن كما قال " زهير ":

لم يُنظرْ به الحَشَكُ

وإنما هو: الحشك. وكما قال آخر:

أَتْبَعتُه إِياهما في السَّهَلِ

حتى إِذا ما زَنَأا في الجبل

أَزنأتُه فيه ولَمَّا أُبَلِ

وأما المتصرف من النفر في ذهاب ومجيء كالمنادين والدلالين، فإنه إذا حمل في مجلاه فقدت حركته في المعاش فكان مثله مثل متحرك من الحروف سكن كما قال الراجز:

وَرْدَ عليهِ طالبُ الحاجاتِ

وهذا قليل، لأنه سكن الفتحة. وإنما شبهته بالمفتوح الذي يسكن، ولم أشبهه بالمضموم والمكسور لأن من شأن ربيعة أن تسكن ما كان كذلك من الأسماء والأفعال ما لم يكن المتحرك بضم أو كسر في الطرف، فيقولن: كرم، أي كرم، وعلم أي علم. وقياس لغتهم أن يقولوا: كبد وكتف، في الكبد والكتف قال " القطامى ":

إِذا نَشْبَتْ مَخالِبُه وعَلْقَتْ ... له الأَنيابُ تُرْكَ له المَرَارُ

يريد: نشبت وعلقت وترك. وقال آخر:

إِذا لم يكنْ قبْلَ النَّبِيذِ ثريدةٌ ... مُلَبَّقَةٌ صفراءُ شحْمٌ جميعُها

فإِن النبيذَ الصرْدَ إِنْ شُرْبَ وحدَه ... على غيرِ شيءٍ، أَحْرَقَ الكَبْدَ جوعُها

فهذا ليس عندهم من الضرورة.

وربما طمع الجار - لهذه الفتنة - إذا كان من أهل الشر، في جاره إذا كان من أهل الخير، فعدا على منزله فأخذ ما فيه، فأشبه فعله ذلك نقل الحركة من الحرف إذا وقف عليه، إلى ما جاوره من الحروف.

وشبهت المال بالحركة لأنه تكون عنه القوة، والحركة قوة الحرف وحياته والمعنى بما ذكرت قول الراجز:

عجِبْتُ والدَّهْرُ كثيرٌ عَجَبُهْ ... من عنَزِيٍّ سَبَّني لم أَضربُهْ

نقل حركة الهاء إلى الباء. وكذلك قوله:

<<  <   >  >>