للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقُلتُ لِلسَّائِسِ خُذْهُ واعْزِلُهْ ... وَاغْدُ لَعَنَّا في الرِّهانِ نرسلُهْ

وقال " طرفة ":

حابِسِي رَبْعٌ وقفتُ به ... لو أطيعُ النفسَ لم أَرِمُهْ

وقد ذهب بعض الناس إلى أن هذا ليس بضرورة؛ وإن كان كما زعم فإنه قليل كقلة ما يستوحش منه الفصحاء.

ولأشيرن عليك يا ثعال بالمكرمة من الفعل: إن كان لك صديق في الجالية فوصه ألا يكون في أوائل الرفقة ولا الأواخر، ولكن يكون متوسطاً بين الأول والآخر، فإنه إذا كان أولاً لم آمن عليه أن تدركه نائبة كما أدركت فاء عدة وزنة، وكما لحقت أوائل الأبيات التي بناؤها على حرفين متحركين بعدهما ساكن. وتلك النائبة هي الخرم الموجود في أوائل الأشعار كما قال " ساعدة ":

فِيمَ نساءُ الحَيِّ من وَتَرِيَّةٍ ... سَفَنَّجةٍ كأَنها قوْسُ تَألَبِ

وهو في شعر الجاهلية وأهل الإسلام، ألا ترى أن عين " عدة " سلمت من الحذف وكذلك زاي " زنة "؟ وإن حذف متوسط فحذفه شاذ، وإنما يكثر حذف الأطراف والأوائل، كما حذفوا فيما اعتلت فاؤه ولامه فقالوا في المعتل اللام: برة وقلة ودم ويد. وقد مضى ذكر ما اعتلت فاؤه. ومن العلل التي تلحق الأواخر أنك إذا جمعت فرزدقاً وبابه قلت: فرازد؛ فشقيت القاف بالحذف. وكذلك إذا صغرت قلت: فريزد. ولو لم يدلك على ما يلقاه الآخر من المضرة إلا الترخيم، لوضح به الدليل: تحذف آخر الاسم دون غيره من الحروف. إلا أنه ربما جاور الحرف الآخر حرف لين فدخل معه في النائبة يجتذبه إلى ما لقي، أو يكون مجاوره أراد أن يواسيه في المصيبة. فإن كان فعل هذا فهو حسن، وما أحسبه حذف إلا مضطراً إلى الحذف. على أن الترخيم في باب النداء ليس هو بضرورة. والحرفان المتجاوران: كواو منصور ورائه، وألف مروان ونونه، وألف حمراء والهمزة بعدها. قال الشاعر:

يا أَسْمَ صبراً على ما كان من حَدَثٍ ... إِن الحوادثَ مَلْقِيٌّ ومُنْتَظَرُ

وقال " أبو زبيد ":

يا عُثْمَ أَدرِكْني فإِنَّ رَكِيَّتي ... صَلدَتْ فأَعيَتْ أَن تَبِضَّ بمائها

يريد: عثمان. وقد حملهم الطمع في الأخير على أن حذفوا حرفين صحيحين، أو يكون الأول منهما همزة حدثت في الجمع كما قال " لبيد ":

درَسَ المَنَا بمُتالعٍ فأَبَانِ

يريد: المنازل. وقال " أبو داود ":

يَلْدِسْنَ جَندلَ حائرٍ بِجُنُوبِه ... فكأَنما تَنْفِي سَنابِكُها حُبَا

يريد: حباحبا، يعني نار الحباحب. وقال " علقمة ":

أَبيَضُ أَبْرَزَه لِلضحِّ راقِبُه ... مُقَلَّدٌ بِسَبَا الكتَّانِ مَفْدُومُ

يريد: سبائب الكتان.

ومن حذف الأواخر المفرط ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " كفى بالسيف شا " يريد: شاهداً. وهذا نادر غير مستمر.

وإنما حذرت من يكون في الأواخر من الحوادث الطارئة كثيراً عند الأطراف، مثل حذف اللام من سنة وابن، ومثل ما يحدث في القوافي من ترك الإعراب وتخفيف المشدد، وذلك كثير موجود، قال " لبيد ":

مَنْ هدَاه سُبُلَ الخيْرِ اهتدى ... ناعمَ البالِ ومَن شاءَ أَضَلْ

فلام أضل مشددة، وحففها في القافية تخفيفاً لا بد منه، ومن شددها فهو عندهم مخطيء. وكذلك من شدد الراء في قول " امريء القيس ":

واليوم قر وإني أفر

وقد عيب على بعض العلماء أن لام " المصل " وجدت بخطه مشددة في قول " لبيد ":

يَلْمُسُ الأَحْلاسَ في منزِله ... بِيَدَيْه كاليهوديِّ المُصَلْ

يريد: المصلى، فحذف الياء وخفف. وأشد منه قوله:

وقَبِيلٌ من لُكَيْزٍ حاضِرٌ ... رهْطُ مرجومٍ ورهطُ ابن المُعَلْ

يريد: المعلى، فحذف الألف وهي أوجب ثباتاً من الياء.

ومن قبل الوصية في أن لا يكون آخراً، فأشر عليه أن لا يجاور الأخير في السير، فإني لا آمن عليه أن يفعل به ما فعل بألف مروان وعثمان وواو منصور وهمزة سبائب وزاي منازل وحاء حباحب، وهاء شاهد.

وأما الأول فلا نعلم جاره الناس الحروف ملقي إلا خيراً. إلا أن الحيطة لمجاور الأول من السارين أن يجعل دونه سواه، لأنه إذا جاء ترخيم التصغير حذف الأول الزائد، وإذا كان بعده حرف مثله في الزيادة حذف معه.

<<  <   >  >>