للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسوف تبطل ذوات السموم فلا ينتفع بها، بالذنب ولا الرأس، ولا يهش من أولع بها للمراس. وما يصنع القوم في هذه الحزة بالنصيح والشليل، وهو أوان يلقي الرجل أسمال قميصه ويقتنع بزهيد القوت لخميصه؟ وكأني بالضعفاء من أهل القصبة أو هذي القريات وقد عمدوا لهذه البقول فنهبوها نهب المنفسات، وحملوها في الكرزة والجشر إلى شعث يابسات من كل عجوز كالسفود لا تعرف حلب الرفود. فإذا فنى ما ظهر منها للعين حفروا عما بطن باليدين، فترى صاحب الجمازة من الحليت يحتفر كأنه الشب يكشف عن أصول الرخامى النابتة سقاها الربب، فهو كما قال " عبيد ":

أَوْ شَبَبٌ يَحفِرُ الرُّخامَى ... تَحفِزُه شمالٌ هَبُوبُ

وكما قال " خفاف ":

يَصِيدكَ العَيْرَ يَرُفُّ النَّدَى يَحفِرُ في مُبْتَكرٍ رَاعِدِ

ويئس العامل مما في البستان فيذر الاستقاء. وأفوز بالراحة بعض ساعة من اليوم، فأكون كما قيل في المثل: " نعيم كلب في بؤسي أهله " - وذلك أن القوم إذا أصابتهم السنة ماتت أموالهم فنعم بأكلها الكلب - ثم يجيء رسول الملاك فأقرب إلى ما هو شر علي وأشق: أوتي بأشياء كثيرة مختلفة يراد مني أن أسير حاملاً لها في الرفقة، منها جربة فيها جشب من الطعام، وسفيح قد مليء من الأسفار، ومخلاة عظيمة قد أخذت فوق ما تحتمل من العسوم، وقراطف أخلاق، وبراجد وضروب مما لا أعلم إلا أنها مثقلة ولا أطيق. فأحمل وأنا أفكر وآسف على ما كنت فيه، وأتمنى العدوة إلى هذا المدار؛ والحمل يتساقط ويتواقع كما قال " سعد بن مالك ":

وتساقُطَ التَّنْواطِ والذَّنبا ... تِ إِذ جُهدَ الفِضاحُ

مَنْ فرَّ عنْ نِيرانِها ... فأَنا ابنُ قيسٍ لا بَراحُ

فيلهمني الله تعالى أني لا أخلص إلا بسوء الخلق، وألتفت فأرى عجوزاً تريد أن تركب على ذلك الحمل، أو شيخاً شراً من تلك العجوز:

سُلَيْمَى أَنتِ في العِيرِ

قِفي إِن شِئتِ أَو سِيري

فأما أنا فما عندي من نطيش. وآخذ عند ذلك في ضرب الند والزم.

خسا زكا، إليك إليك:

مَنْ مُبلغٌ عني يزيدَ بنَ الصَّعِق

دونكَ ما استحسنتَه فاحْسُ وذُقْ

٣ق - د كنتُ حذرتُكَ آلَ المصطلقْ

وقلتُ يا هذا. أَطِعْني وانطلِقْ

إِنكَ إِنْ حمَّلتَني ما لم أَطِقْ

ساءَك ما سرَّك مني من خُلق

والذين أرادوا تحميلي، قيام ينظرون ويقولون: ما كانت هذه له بعادة!

وقد زعمتْ أَني تغيَّرتُ بعدَها ... ومَنْ ذا الذي يا عَزَّ لا يتغيرُ

فأضرب عصياً كثيرة وأنا لا أزيد على خبط الأرض بالحوافر، فليت شعري على اي صرعى أقع؟ هل أترك وما أريد، أم أحمل على شصاصاء؟ وأما يهود فهي في هذه البلدة ثلاث فرق: صباغون، ودباغون، وحاكة في الكلم لا غون.

فأما أهل الصبغ فيردون إلى الناس متاعهم أصفر وأحمر وأزرق كأنه أنوا الربيع، وإن قدروا على ما في الأنفس لحقوا باليرابيع.

وأما أصحاب الأهب والنفوس فيشفقون عليها إشفاق تاجر اليمن على الشفوف، ويرون الآفق من حفظ أفيقه، وفائت المنية من أحرز منيئته.

فيظل الواحد منهم وقد جمع فوق رأسه أصنافاً من الأدمة وهو يتخير لها المعاقل.

وأين الهرب من قضاء الله؟

لَنْ يُسبَقَ اللهُ على حِمارِ ... ولا على ذي سَيعَةٍ سَيَّارِ

قد يُصبحُ اللهُ أَمام السارِ

وأما الحائك فيطوي الشقة وبعضها قد نسج وبعضها ليس بنسج، كأنها كلمة الفحل من الشعراء قد نظم بعضها وتصور الغابر منها وإنما شبهته بالشاعر لأن " كعب بن زهير " قال:

فَمن لِلقَوافي بعدَ كعبٍ يَحُوكُها ... إِذا ما ثَوَى كعبٌ وفَوَّزَ جَرْوَلُ

وإنك لتشاهد هذا الرجل من يهود وقد أحس بالخويخية فصار وجهه مثل الفرسكة، وعمد إلى الخوخة فاستخرج منها مشمشيات الألوان كان يدخرها لأم خشاف والعنقفير، وجعل هبرزياً في فيه وأزم عليه إلا مقدار الحذرفوت، فكأنما غيب منه الفوقانية إلا مثل الفسيط. وبادر به إلى المكارين يكشر لهم عن ذلك الخبيء. ويكون كراؤهم قد وقع بالدراهم، فتحملهم بالرغبة فيما مظهر لهم، على الغدر. فكلما أجابوه إلى ما يسأل أبرز لهم شيئاً من الدينار، حتى إذا تمت الموافقة بصق نقيشاً يتلهب فبل عند ذلك بعير يحمل عليه أو بغل.

<<  <   >  >>