للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقسِّمُ نفسي في جُسومٍ كثيرةٍ ... وأَحْسو قَرَاحَ الماءِ والماءُ باردُ

ومن هذه اللغة اللخمية قول الشاعر:

فإِني قد رأَيتُ بأَرضِ قومي ... حوادثَ كنتُ في لَخمٍ أَخافَهْ

ينشد بفتح الفاء. وكذلك قول الراجز:

ليسَ لواحدٍ عليَّ نِعْمَهْ

لا ولا اثنَيْنِ ولا أَهمَّهْ

يريد: ولا أهمها. حكاه " المفجع " في حد الإعراب.

وإنك لترى في الظاعنين شهلة من النساء وهي على أحد بنات صعدة وحمله من تحت متشاول كأنه قول " زهير ":

ولَنِعْمَ حشوُ الدِّرْعِ أَنتَ إِذا ... نَهِلتْ من العَلَقِ الرماحُ وعَلَّتِ

والشطر الثاني زائد على الشطر الأول بثلاثة أحرف. وكذلك قول الآخر:

ولقد هدَيتُ الركْبَ في دَيْمومَةٍ ... فيها الدليلُ يَعَضُّ بالخَمْسِ

فهذا زيادته في شطره الأول، وهي ثلاثة أحرف.

ولا تزال تلك الراكبة في ويل وأليل واستغاثة بالمكارين، فهل يعرف كريها قول " عذافر بن أوس الكندي ":

يا ليتَ أَني لم أَكنْ كَرِيَّا

ولمْ أَسُقْ بِشَعْفَرَ المَطِيَّا

بَصْرِيَّةٌ تزوجتْ بَصريا

يُطعِمُها المالِحَ والطرِيَّا

وربما رأيت السبروت الضعيف وقد حمل أربعة من أولاده في مكتلين أو سفيحين وجعلهم على حمار وان، وإن تلك لأعجوبة عند البهائم.

ومثلهم مثل أربعة أحرف متحركات جمع بينهن في الشعر فشهرن واستثقلن كما قال " ابن ميادة ":

لَه الفِعالُ وله الوالدُ الأك ... بَرُ فالأَكبَرُ فالأَكبَرُ

فلام الفعال، والواو بعدها، واللام والهاء: كلهن متحركات. أفلا ترى كيف ثقل بهن الوزن؟ وكذلك قول " الهذلي ":

فَسَمِعَتْ نَبْأَةً منه وأَرْسَلَها ... زُرْقَ العُيونِ على أَعناقِها القِدَدُ

فأما المحمل فربما اجتمع فيه ستة من العيلة، وليس لذلك مثل في المتحركات إذا اجتمعن في المنظوم، لأنه لا يزاد فيه على جمع بين أربعة أحرف متحركة، فأما النثر فيجمع الناطق فيه بين متحركات كثيرة لأنه يقدر أن يقول: ضرب وفعل وصنع.. إلى أن ينقضي النفس.

وأكثر ما اجتمع في كتاب الله " السيد عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء " وجل من الحروف المتحركة ثمانية، وذلك في موضعين من سورة يوسف: أحدهما قوله تعالى: " أني رأيت أحد عشر كوكباً ".

فبين واو كوكب وياء رأيت، ثمانية أحرف كلهن متحرك.

والموضع الآخر قوله " تعالى ": " حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي ".

على قراءة من حرك الياء في: لي، وأبي.

ومثل هذين الموضعين قوله تعالى: " سنشد عضدك بأخيك ".

" والغرض من هذا، مالا ياء فيه تتحمل الحركة والسكون ".

وربما عاينت المرأة الراكبة أو الماشية وعلى كتفها أو في حجرها صغير مثل التولب، وقد أخذه منها أبوه فتقدمها بالخطوات، وفصل بينها وبينه سواه، فهي تنظر إلى ولدها نظر شفيق لا تصل إليه. وهو ينظر إليها نظر فقير إلى ما في الثدي. فمثلهما مثل المضاف والمضاف إليه يفصل بينهما بالظرف والمصدر، وكل واحد منهما شديد الحاجة إلى صاحبه، كما قال " ابن قميئة ":

لَمَّا رأَتْ ساتِيدَما استَعْبرتْ ... للهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لاَمَها

تقديره: لله در من لامها اليوم. وقال آخر:

فَرِشْنِي بِخَيرٍ لا أَكونَنْ ومدْحَتِي ... كنَاحِتِ يوماً صَخرةٍ بِعَسِيلِ

يريد: كناحت صخرة يوماً. والعسيل ريشة العطار.

فإن بعد بالطفل أبوه حتى تكثر الفواصل بينه وبين أمه، فمثلهما كمثل قول " ذي الرمة ":

كأَنَّ أَصْواتَ مِن إِيغالِهنَّ بنا ... أَوَاخرِ المَيْسِ أَصواتُ الفراريجِ

فرق بين أصوات، وبين أواخر الميس بقوله: من إيغالهن بنا.

وهذا أكثر من الفرق الأول وأشق.

وقد تكون الوالدة من المسرفات في الإلاحة وسوء الظنة، فيشفها أن تفارق ولدها وإن كان بإزائها على كتف أبيه أو أخيه، فمثلهما مثل الباء الخافضة يفرق بينها وبين المخفوض وهي كأنها متصلة به لأنها حرف واحد لا يقوم بنفسه. وذلك قليل رديء. وقد روى بيت للفرزدق:

وإِني لأَطْوِي الكَشْحَ مِنْ دُونِ ما انطوَى ... وأَقطعُ بالخَرْقِ الهَبُوعِ المُرَاجِمِ

<<  <   >  >>