للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد: وأقطع بالهبوع المراجم الخرق. وهذا قبيح معدوم. وقد كان " الفرزدق " يتبع شواذ القول ويجيء بكلامه على سوء النظم.

وأما أتباع الناس في هذه الروعة وغيرها من الروعات فإنهم على ضربين: أحدهما تابع قديم قد لزم أمره فصار كأنه من صميم القوم فمثله مثل همزة أحمر وإثمد وإصبع، تثبت ثبات غيرها من الأصلية.

والضرب الآخر حدث مع الضرورة، وهو على أنواع: منه ما زيد للحاجة إليه فعرف مكان زيادته وثقل على الناهض بشئونه. فمثله مثل ألف الاستفهام وواو العطف وفائه وغيرها من الحروف الفاردة تزاد على الأبيات التامة وهي غنية عنها، ليعلم أنها استفهام أو معطوفة على ما قبلها من الأبيات. وقد حكى " محمد بن يزيد المبرد " في كتاب التعازي أن بعض الرواة ينشد قول " الخنساء " بزيادة آلف الاستفهام، يعني قولها:

أَقَذًى بِعيْنِك أَم بالعَيْنِ عُوَّارُ ... أَم ذَرفَتْ أَنْ خَلَتْ من أَهْلها الدارُ

والبغداديون الآن ينشدون كثيراً من أبيات قفا نبك التي في أوائلها: كأن، بزيادة واو العطف، وهو شيء أخذوه عن الشيوخ الماضين، فيقولون:

وكأَنَّ دِماءَ الهادياتِ بِنَحْره

وكأَنَّ ذُرَا رأْسِ المجَيْمِرِ غُدْوَةً

ولا أستحسن ذلك، ولا أزعم أنه يفعله إلا قوم لا يحفلون بإقامة الوزن. وقد حكى أنهم ربما خزموا بالحرفين مثل: هل، وبل. وقد ادعى على " طرفة " أنه خزم النصف الأول والثاني فقال في قصيدته التي أولها:

أَشجاكَ الرَّبْعُ أَم قِدَمُهْ ... أَمْ رَمادٌ دارِسٌ حُمَمُه

هل تذكرون إِذ نُقَتِّلُكمْ ... إِذ لا يضرُّ مُعدِماً عَدمُهْ

فخزم الأول بهل، والثاني بإذ، وإنما تقويم الوزن أن يقال:

تذكرون إِذ نُقَتِّلُكُمْ ... لا يضُرُّ مُعدِماً عَدمُهْ

وكذلك ينشده البغداديون اليوم، والرواية الأخرى معروفة. وقال ذكرت عن " ابن الأعرابي " في قصته مع " الحسين بن الضحاك الخليع " ومن أتباع الناس ما يلحق للضرورة إلا أن الحاجة إليه أدعى منه إلى ما تقدم ذكره، فيكون مثله مثل الواو والياء والألف يزدن لإقامة الوزن، كما قال الراجز:

لو أَنَّ عِندي مائِتي دِرْهَامِ

لاَبْتعْتُ داراً في بني حَرامِ

وعِشتُ عَيْشَ الملِكِ الهُمامِ

وسِرْتُ في الأَرْضِ بِلا خاتامِ

فهذا زاد الألف. وقال آخر فزاد الواو:

خَوْدٌ أَناةٌ كالمَهاةِ عُطْبُولْ

كأَنما رِيقَتُها القَرَنْفُول

وأما قولهم: أنظور، يريدون: أنظر، فيقال إنها لغة لطيء. قال الشاعر:

اللهُ يَعلمُ أَنا في تَحمُّلِنا ... يومَ الرحيلِ إِلى أَحبابِنا صُورُ

وأَنني أَيْنما يَثْنِي الهَوَى عُنُقِي ... مِنْ حيثما يمَّمُوا أَدنو فأَنْظُورُ

وأما قول " الوليد بن يزيد ":

إِني سَمِعتُ بلَيْلٍ ... نحوَ الرُّصَافةِ رَنَّهْ

خرجتُ أَسحَبُ ذَيْلي ... أنظورُ ما شانُهنَّه

إِذا بناتُ هِشامٍ ... يَندُبْنَ سَيِّدَهُنَّه

يَندبْنَ شيخاً كريماً ... قد كان يُكرِمِهُنَّه

فإنه في كتاب " إسحاق بن إبراهيم ": أنظر ما شأنهنه، بغير واو. فإن صحت الرواية فهو كسر على رأي " الخليل " ولن يخفي قبحه في الغريزة. وإن أنشد بالواو على اللغة الطائية فالوزن صحيح. وقد زادوا الياء في: سواعيد، وأزاميل، قال " التغلبي ":

وسَواعيدَ يُخْتَلَيْنَ اختِلاءً ... كالمَغَالِي يَطِرْنَ كلَّ مَطيرٍ

وقال " الهذلي ":

ولِلقِسِيِّ أَزاميلٌ وغَمْغمةٌ ... حِسَّ الشَّمالِ تَسوقُ الماءَ والبَرَدا

وعض الناس يكون له تابع يستزيده في حال الإقامة، فإذا حان الظعن فارقه. فمثله مثل الحرف الموقوف عليه يشدد فإذا زال الوقف ترك التشديد.

فيقولون: الطول، والأفكل. فإذا وصلوا الكلام لم يشددوا. وإن أجروه في الوصل على ما هو عليه في الوقف، فتلك عندهم ضرورة. كما قال الراجز:

مُهْرَ أَبي الحَبْحابِ لا تُشَلِّي ... بارَكَ فيكَ اللهُ من ذي أَلِّ

ومن مُوَصًّى لم يَدَعْ قِيلاً لي ... إِذ أَخذَ القلوبَ كالإِفكلِّ

خَوارِجاً من لَغَطِ القَسْطلِّ

<<  <   >  >>