للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربما كان التابع أشد لزوماً من هذا النوع فيلغي عند الضرورة - ولا يثبت سوى الصميم. فمثله مثل الواو والياء اللاحقتين هاء الإضمار في مثل قولك: له، وبه. يحذفان عند الضرورة فربما بقيت الحركة وربما ألغيت، كما قال " الهمداني ":

ولا يَسأَلُ الجارُ الغريبُ إِذا شَتَا ... بما زخَرَتْ قِدْري به يومَ ودَّعا

فإِنْ يَكُ غَثّاً أَو سَمِيناً فإِنني ... سأَجعلُ عينيه لنفسِهْ مَقْنَعا

وقال آخر:

أَنا ابنُ كلابٍ وابنُ قَيْسٍ فمَنْ يَكُنْ ... قناعُه مُغطِياً فإِنيَ مُجْتَلَى

أَنْحَى عليَّ الدهرُ كفّاً ويَدَا ... أَقسمَ لا يُصلِحُ إِلا أَفْسَدَا

يُصْلِحُه اليومَ ويُفسِدُهْ غدَا

وقال رجل من أهل السراة:

فبِتُّ لدى البيتِ العتيقِ أُخِيلُه ... ومِطْوَايَ مُشتاقانِ لهْ أَرِقانِ

ويدخل في هذا الجنس حذف التنوين، كما قال:

كفاني ما خشِيتُ أَبو فِراسٍ ... ومثلُ أَبي فراسِ كفى وزادا

والضرورة تحمل الرجل على أن يفارق من الأتباع من هو إليه محتاج مفتقر، إلا أنه عند الشدة يقتصر على اللوازم، كما قال " العبدي ":

وسائلةٍ بِثعلبةَ بنِ سَيْرٍ ... وقد علِقتْ بثعلبةَ العَلُوقُ

يريد: بثعلبة بن سيار، فرده من: فعال وهو اسم فاعل، إلى: فعل، وهو مصدر.

وما أجدرك أن ترى في نهج الصرمان وغيرها من المذارع الشرقية ثلاثة يتعاقبون حماراً ضعيفاً كأنهم الحركات الثلاث المتعاورات آخر الأسماء، يدخلن على دم وإن قصر، كما يدخلن على سفرجل وإن طال؛ أو كأنهم الحركتان والسكون أو الحركتان والحذف الطارئ على الأفعال المعربة! وما يفتأ في الجالية - سلمهم الله - فكأنهما الحركتان المعاقبتان في آخر ما لا ينصرف، أو كأنهما الحرفان المتعاقبان في زحاف الشعر إذا سقط أحدهما ثبت الآخر، ويجوز أن يثبتا جميعاً ولا يجوز أن يجتمع فيهما السقوط. وهذان الرجلان ربما حملهما الأين على أن يركبا البهيمة معاً.

إلا أن ثبات الحرفين في الشعر حسن وركوب هذين الراكبين ظهر البهيمة قبيح. ومثل ثبات الحرفين قول " امريء القيس ":

ألا رُبَّ يومٍ صَالِحٍ لك منهن صالحٍ ... ولا سيما يومٌ بدَارةِ حُلْجُل

ألا ترى أنه في الغريزة مستقيم؟ وإذا سقط أحد الحرفين أنكرته الحاسة كما أنشده بعض الرواة:

أَلا رُبَّ يَومٍ لكَ منهنَّ صالحٍ

فهذا يبين زحافة في الحس، وهو سقوط السابع من الجزء السباعي.

ومعاقبه الخامس الذي بينه وبينه حرف متحرك، وقد سقط الخامس في قوله:

إِذا قامتا تضوَّعَ المِسْكُ منهما ... نسيمَ الصَّبَا جاءَت بِرَيَّا القرنفُلِ

فموضع الحرف الساقط، بين التاء والضاد من: تضوع.

ويجوز أن تلقي الراكبين، هذا يركب مرة وهذايركب مرة ولا يجتمعان ألبتة على الركوب. فيكون مثلهما مثل الحرفين المتراقبين في الشعر: يجوز أن يسقطا على الانفراد، ولا يجتمعان في السقوط ولا في الثبات. وإنما شبهتهما بالنجمين المراقبين إذا طلع أحدهما في المشرق سقط الآخر في المغرب، وذلك في نجوم الأنواء الثمانية والعشرين التي ينزلها القمر.

ورقيب النجم هو الخامس عشر في العدد. قال الشاعر:

أَحَقّاً عِبادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ لاقِياً ... بُثينةَ أَو يَلْقَى الثريَّا رقيبُها

أي أنهما لا يلتقيان أبداً.

والذي يضيفه الإنسان إلى نفسه من الناس في هذه الشدائد، تكون إضافته غير محضة، بل هي في نية الانفصال، مثل إضافة اسم الفاعل إذا كان في الحال أو في الاستقبال: يضاف وهو في نية التنوين، ألا ترى أنه لا يتعرف بتلك الإضافة؟ وفي الكتاب العزيز: " هذا عارض ممطرنا " أي ممطر لنا.

وقال " جرير ":

يا رُبَّ غابطِنا لو كان يطلبُكم ... لاقَى مُباعدةً منكم وحِرْمانا

ولو كان لهؤلاء القوم الظاعنين فارس مثل " العرني " وفرس كالعرادة، لأخذ لهم الخفر من " حلب حرسها الله " في الوقت الذي ليس بمتطاول، فإن الأخبار تختلف عند البيان: فبعضها يتبين في اليوم الأول، فمثله مثل المعنى الذي يتبين في البيت الواحد، كقول " زهير ":

تَحمَّلَ أَهلُها منها فبانوا ... على آثارِ مَن ذهبَ العَفَاءُ

<<  <   >  >>