رجع: عجبت ولا عجب من أمر الله لما حكاه الحاكون. زعموا أن فلذة من الجنثى جوعت، لها ربداء هجنعة تشهد بصانعٍ حكيم، فنبذت لديها والإرادة أن تلتهمها، ولمشية الله النفاذ. فلما فعلت ذلك أمهلت جزءا من الزمان ثم أنحى عليها بالمدية والله على بعث الميت مقيت فأبرزت الفلذة من ضميرها، وبعضها فقيد، وألقيت على الهالكين، فجنا عليها جنوء المشبلة على الرضيع، يربها بنارٍ تسعر، وكأنها تجاد وتمطر، أما نارها فعنمية، وأما لونها فمن الربيع؛ فأراك الجدول، بشرارٍ طار أخول أخول. لو شاء ربك، فدع قول السفيه، أسمعك قسيب المنايا فيه؛ ربي في الجحيم، وكأنه خلد في النعيم، تلون الغول، في ناظر الجبان المغول؛ كأن عليه سندساً أو سدوساً، أو وشياً ملبوساً. ولو أراد الخالق جعل من المقرة سيفاً هذه صفته بغير تمكثٍ ولا افتكار. ولا يعجزه أن يأمر حلق القفعاء فتصير حلق المفاضة، وعيون الجراد فتكون قتيراً، ويكون من درع الخريدة درعاً تلبس فتقي رءوس الأسل وحد الصفاح. غاية.
تفسير: الجنثي: الحديد الفولاذ. والفلذة: القطعة. الربداء: النعامة والهجنعة: الطويلة، ويقال القرعاء. وتلتهمها: تبتلعها. ومقيت: مقتدر. والهالكي: الحداد. وجنأ يجنأ إذا حنى ظهره؛ وفي الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهودياً ويهودية فجعل يتجنأ عليها: وقال كثير:
أغاضر لو شهدت غداة بنتم ... جنوء العائدات على وسادى
ويقال: طار الشرار أخول أخول أي مفترقاً؛ قال الشاعر أنشده أبو زيدٍ:
يساقط عنه روقه ضارياتها ... سقاط شرار القين أخوال أخولا
والقسيب: صوت الماء. والمغول: مفعول من غلته. والسدوس: طيلسان أخضر. والمقرة: الصبرة. والقفعاء: نبت على هيئة الحلق يشبه بها حلق الدرع. والمفاضة: الواسعة من الدروع. والقتير: مساميرها وهي تشبه بعيون الجراد.
رجع: أما الإله فمرجب، وأما القدر فعجب. أوعل، منتعل، أمسد، في عنق الأسد، أنجم، وقع في هجمٍ؟ نعم إذا أمر مالك الأمور. غربيب جاء مع الغروب، كأن الحندس عليه مجوب، ذكر الله بفمه مهتوت، وحبل الالاف منه مبتوت، في جوانحه طرب مبثوث، والجناح بمآربه محثوث، لا بعير بأمره محدوج. وبغير الخالق لا يعوج؛ حسب جاهل أنه ينوح، ولعله بالتمجيد صدوح؛ خلد وشابت الشروخ، وحسدته بسواده الشيب والله على إحلاك الأبيض مشيف. عليه خفاالملك، وثوب الراهب المتصعلك، كذلك صوره مصور المتحركات. مرتعه سهل ونجود، وعليه رزق الله يجود، والرذايا خيفته تلوذ، ولربنا الحول والعوذ، كأنه مقيد مهجور، يعدل في الشهادة ولا يجوز؛ سبحان مكون المصنوعات. إتفق على ذمه الهوز، ولعله بالطاعة يفوز. طوبى للبرمن النفوس، وإن عاش حليفاً للبوس! سبح جده كما سبح أنوش، وفنى كما فنيت الطموش، ينزل على دبر القلوص، وغيره بالنعمة مخصوص، والحكم لمطلع السماك. يعجبه القتيل المرفوض فجناحه للمتنبلات مخفوض، ليس بعنقه فيما أعلم مأثم مخطوط، ولغيره الشنوف والسموط. الشهادة بالقدرة دأبه، والنعيب أبداً خطابه؛ عز المترجم لأصوات الناطقين. فاعلم أيها المسكين أن الأيام شهود لك وعليك؛ فإن تمالأت على تزكيتك فأنت السعيد، وإن توافقت على تكفيرك فأنت حامل العبء الثقيل، وإن جرح بعضها شهادة بعض، فإن الله كريم. أيها اليوم الحاضر إن أمس ذهب وأنت أقرب الأيام إليه، وقد حمل عنى كتاباً يشتمل على الغفلة والتفريط، فدراكه دراك؛ إن فاتك فأنا أحد الهالكين، وإن عجزت ان تلحقه فإن الغد أعجز منك. وكيف تدركه وغداتك لا ترى ضحاك، وأصيلك لا يتفق مع الهجير، والله على الممتنعات مقيت. فناد في أثره عله بإذن الله يسمع دعاء الداعين. فإن أجابك فقل: إن البائس فلاناً يسألك أن تلقى الصحيفة من يدك؛ ولو نطق لحلف لا أستطيع، أنا أمين عالم الدفين، ولو فعلت لرهبت من المعصية كما تخاف، ولكن أنا وأنت عند الله كفرسي رهانٍ: فإذا شهدت عليه بالمعصية فاشهد له بالطاعة وأنه قد أذن للواح. غاية.
تفسير: مرجب: معظم مهيب؛ ومنه اشتقاق رجبٍ. والهجم: قدح من خشبٍ؛ وأنشد أبو عمرو الشيباني في صفة ناقةٍ: