رجع: يا من كتب اسمه على الهدب والهدال، وبانت صفته في هديل الحمام، شهد لك نجم الأرض ونجم السماء، وأقربك عوف الغابة وعوف السحاب، ودلت على قدمك البروق: بارق الغمد، وبارق المبسم، وبارق الغمام؛ والثغور: ثغر الكاعب، وثغر المحارب، وثغر العصاه؛ والأغرة: من الناقة، والمخذم، والرقاد. لو علمت أن قص جسدي بالجلام واهب لي عندك زلفة لا فتننت في تجزئة هذه الأوصال. مرني بأوامرك أمض ولا أهاب، أحمدك إليك وإلى الناس، وأذم نفسي عندك وعند سواك. لم أذق من رزقك لماجاً إلا تفضلاً بغير استحقاق، وعلى من رحمتك لباسان أنا بغيرهما أحق: ثوب صحة وثوب استتارٍ. أرقد وغيري من الألم لا ينام. كم قطعٍ جاوزت ما قطع لى من غرارٍ، وطعامٍ أصبت ما تعبت فيه كفاي ولا سعت له القدمان في اكتساب، وماء شربته على ظمأٍ مات يحسرته كعب إيادٍ. إن عفوت فمصائب الدنيا جلل، وإن عاقبت فذلك البوار. أنت منصف الضائنة من كلبٍ حبيل براح. غاية.
تفسير. الهدب: كل ورقٍ لا عير له مثل ورق الطرفاء والأثل. والعير: هو الخط الذي في وسط الورقة. والهدال: ما تهدل من أغصان الشجر. وعوف الغابة: الأسد؛ لأنه يسمى عوفاً. وعوف السحاب: نبت يقال له العوف طيب الرائحة؛ قال النابغة:
فينبت حوذاناً وعوفاً منوراً ... سأتبعه من خير ما قال قائل
والثغر: ضرب من الشجر له شوك أبيض. وغرار الناقة: قلة لبنها وأن يجئ منه شيء؛ يقال ناقة مغار؛ ومنه قيل للقليل من النوم غرار. وغرار السيف: حده، وقيل هو ما بين حده وعيره. والجلام: جمع جلمٍ. اللماج: القليل من الطعام، ولا يستعمل إلا في النفي. والقطع: الساعة من الليل. والجلل: من الأضداد وهو هاهنا: الهين. وحبيل براحٍ: من أسماء الأسد، ويقال للرجل الشجاع تشبيهاً بذلك؛ وعندهم أن حبيلاً هاهنا في معنى محبولٍ. وبراح: يراد بها الأرض المنكشفة الواسعة. والمعنى: أن الأسد يثبت في الأرض البراح فلا يفر فكأنه محبول أي مربوط بحبلٍ.
رجع: رب لا تجعلني كشبوة فبئس الأمم الشبوات، يبدأن لشرهن بالأمهات، وكم عق ولد من أمٍ وجرع رجل من سمٍ وكسب من ثمٍ ورمٍ، وليس معصية الله في بردٍ أقبح منها في برد المشيب، وإنها في برد التكهل قبيحة شنعاء. وترجى فيأة الغرين: الصبي والشاب؛ فأما الهرم فأمر أسري عليه بليلٍ. متى عهد العود بتودية الصرار، لا تسأل شارف عن الخلال، نسى التألب أخلاق الأعفاء. متى عز لبد أبوه، لو قدر دالف رجع إلى حال الدارجين. من للنهبلة بوجع الحس، أعياك حسل فكيف بالقرعام. إذا قدمت الشجرة فجذ لها عاسٍ. أوبق نفسه من غفل حتى شاب. لو عقل أهل الأظماء لشغلهم عن العد، وبكور الورد، واجتناء الغرد، مراقبة أمرجدٍ، ليس لخالقك من ندٍ. أمن غصن من الخضر، إن كان في نعيمٍ غضرٍ، وشبابٍ نضرٍ، فما فعل أرباب الحضر؟ عصفت بهم عواصف الرياح. غاية.
تفسير: شبوة: العقرب. والثم: ما يجمع قليلاً قليلاً والرم: مايرم به الشئ أي يصلح. والصرار: ما تصر به الناقة ليقطع لبنها عن الفصيل.
والتودية: عويد يجعل على الخلف؛ ومن أحاديث العرب التي يحكونها في حماقة الضبع أنها رأت تودية في غدير فجعلت تشرب وتقول: يا حبذا طعم اللبن. والمعنى: أن العود قد بعد عهده بكونه سقياً يرضع من الخلف فيمنع من الرضاع بالتودية؛ ومن ذلك قولهم في المثل للمسن:" متى عهدك بأسفل فيك " أي متى كنت طفلاً لك دردر. وأمر أسري عليه بليلٍ: مثل يقال لكل أمرٍ فرغ منه. والخلال: عود يجعل في لسان الفصيل لئلا يرضع؛ وإياه عنى أمرؤ القيس بقوله: كما خل ظهر اللسان المجر يقال فصيل مخلل إذا جعل له خلال؛ قال أبو النجم: