للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجع: إن الدينا تحلف بربها الكريم الذي من حلف به كاذباً أثم وحاب، أنها زائلة أسرع زوالٍ. فيا حالية لا تحسبى حجلك خلخال السابق، ولا طوقك طوق العكرمة، ولا حناءك حذاء الجون الطيار. إنك ولدت عاطلةً سلتاء، وأشرك إن عمرت درد، ونعمة جسمك تخدد، وريا فيك منتقلة إلى ما تعلمين. تصيرين بعد الغانية ذات العجز الرداح، إلى حال الفانية ذات العجز العجوز؛ يبرم بك ولدك فبئس ما جازاك! لقد حملت فوضعت، وغذوت وأرضعت، وسهرت لأجله والناس نيام، وآثرته على نفسك في أشياء كثيرةٍ، فما حفظك ولا رعاك، ليس الميت لحيٍ بوصيلٍ. أسمل ثوب فنبذ، وهرم عود فترك بالمراح. غاية.

تفسير: خلخال السابق: التحجيل. والعكرمة: الحمامة. والجون الطيار: الغراب. والسلتاء: التي لا خضاب عليها. والرداح: الثقيلة العجيزة. والعجز ها هنا: ضد الاقتدار. وصيل: في معنى واصلٍ. وأسمل: أخلق.

رجع: قد وعظتني الأهلة: طالع مع الثريا والنثرة يقسم أن الله الكريم أنشأه بغير معين، شبه في ابتداء نوره بنونٍ خطها بالفضة بعض الكاتبين. وقد شبه به البعير الحدبار، والسنان المنعطف لطول الطعان، وفسيط ذات الفوف، وحاشى الله. ثم ارتفع واستدار، فلما بلغ مداه، والمنشئ له به عليم، حار فنقص حتى خفي وغاب، وهو على حاله منذ خلقه الديان. وإنما يقرب فيدرك، ويبعد فلا تراه الأبصار، وهو الذي طلع هلالاً على هلال بن عامرٍ، وبدراً على بدر فزارة، وكم يطلع بعدنا على من يعرف ببدرٍ وهلالٍ. ومن الأهلة ثانٍ يؤذى النسم، ويقرى السم، ويبر القسم، إن الله وهب القسم، ويخلع قميصاً في كل عامٍ لا برس هو ولاوبر، ولا الحرير المغير، ولا اللبد ولا الشعر، ولا ثوب الغول المنتسج من ورق العضاه كما ادعى الفهمي أحد آل سفيان، والله مكون جميع اللباس. وهلال ثالث يحمل الطعام في الجرة فيؤنى به الأرض البثنة والمثير يكرب وملتمسات الرزق من خلف وأمامٍ، فيبعث ربك إذا استقر الحب في التراب غيماً يقلده في الأيام. فإذا أعصف وبلغ المراد وأذله الضعفة بالدياس، ألقى إلى الهلال المذكور فكان ثمال الإنس، وربما غلبهم عليه السرياح. غاية.

تفسير: البعير الحدبار: الضامر الذي قد ظهر فقار ظهره من هزاله؛ قال قيس بن الخطيم:

وراحت حدابير حدب الظهور ... مجتلماً لحم أصلابها

ويقال: هللت المطايا إذا صارت تشبه الأهلة في احديدابها؛ قال ذو الزمة:

فقام إلى مثل الهلالين لاحه ... وإياهما عرض الفيافي وطولها

والفسيط: قلامة الظفر. والفوف: بياض يكون في ظفر الغلام. والهلال: ذكر الحيات؛ قال الراجز يصف درعاً:

ونثرةٍ تهزأ بالنصال ... كأنها من خلع الهلال

واللبد: الصوف: والفهمي: هو تأبط شراً ثابت بن جابر بن سفيان، وهو من فهم بن عمرو بن قيس عيلان، وكان يدعي أنه لقي الغول ويصف ذلك في الشعر؛ ومما يروى له:

ونار تنورتها موهناً ... فبت لها مدبراً مقبلا

فأصبحت والغول لي جارة ... فيا جارتا لك ما أغولا

فطالبتها بضعها فانثنت ... بوجهٍ تلون فاستغولا

عطاءة قفرٍ لها حلتان ... من ورق الطلح لم تغزلا

والهلال الثالث: قطعة من رحى؛ قال الراجز:

ويطحن الكتيبة الجمهورا ... طحن الهلال للبر والشعيرا

والجرة: شبيه بالمكيال في أسفله ثقب يبذر به الأكار الحب في الحرث. والأرض البثنة: السهلة؛ ومنه اشتقاق بثينة. والمثير: يحتمل أن يكون الأكار، ويحتمل ان يكون الثور، لأنه يقال: أثارت البقر الأرض وأثار الحارث الأرض. وبعض العرب يسمي البقرة. المنيرة ويكرب مثل يحرث؛ ومنه قولهم في المثل: الكراب على البقر ويقلداه أي يعطيه حظا وهو القلد؛ وفي حديث عمر الذي يرويه أو وجزة السعدي فقلدتنا السماء في كل خمسة عشر يوماً قلداً. وأعصف: صارت له عصيفة وهي الورق، ويقال له العصف. والسرياح: الجراد.

<<  <   >  >>