رجع: عيب العيش الصالح أنه لا يدوم، والدوام أحد عيوب العيش الذميم، والله بكرمه يتبع الناقة زمامها. رفع السماء وأطلع قمرها وأنزل إلى عبادة مطرها، وأرسى الأرض وأقرها، وثبت يذبلها وشمامها. يستغني المرء بعد العيلة فتكون له حالان، إن كان بخيلاً اشتد بخله وقال اتقى صولة الإعدام، وإن كان كريماً زاد كرمه وقال جدت وأنا فقير فكيف وأنا صاحب مالٍ، والله نصب للنفس إمامها. ضمنا الإحسان فما وفينا، وعشنا المدة فما أكتفينا، وأخفينا الخير وما اختفينا، هنياً لحمام مكة لا يروع المحرم حمامها. أرتعوا بغير عرضناً، وابتغوا لكم سوى أرضنا، وارحلوا عن إسحلنا ونعضنا، شغل بعضنا عن اكرام بعضنا، إن لنا عليكم قرضاً، فحى هلاً بقرضنا، إن النفس الكريمة لتحفظ ذمامها. إن دمعةً مزجت بدمٍ، فقطرت على القدم، فكانت وقاية للأدم، من حرٍ قد احتدم، يبرى من الأجساد عظامها. إثر يا رجل وأثر، واغد صاحب الدثر، إن وجوهاً كانت في الطثر، كد نانير الحرم وعثرٍ، أصبحت رهائن الجثر، تباشر بها الأرض رغامها.
فكرت في الملل، فعدت بمللٍ، منه ضج العود المسن ونفضت الناقة لغامها. قد يكون الموق، في الشخص المرموق، والحجا الموقر، في الزرى المحتقر، والشر على جبهة فاعله موسوم؛ وربك أولع بالأنفس غرامها خش وأبر، ستر بالقبر، اصون من الوبر في الوبر، إن بر القائل فرحم الله آل ببرٍ، إن الدنيا بغي ألقت دونك قرامها إن إبراهيم، أبرأ الهيم؛ وقوم هودٍ، جعلوا الجبال كالوهودٍ: فانظر هل ترى من ثمود، ضارب وتدٍ أو ناصب عمودٍ. يا فرس تدعين صيد الربد وصيد العين؛ إن النفس لا تسبق حمامها. إن لئيماً رزق كل يومٍ من الذهب شموشاً، بعدد ليالي موسى، لطافاً صغاراً، لا تضئ كلها غاراً، فجعل يزنها ويخترنها، لا يدفع من القالة ملا مها. لا مضيف، في هذا الضيف، ولعمرك ما تأرضت، ولا تعرضت، إن بالقارة، أهل حقارةٍ، والله يسر للطاعمة طعامها. لو بعث طائر يختطف، كل من فؤاده نطف، لسلب الأرض أنامها. الزمان، لا يجوز عنه الضمان، إنما يضمن، ما يعرف ويؤمن، والغزال الخرق، يوجد بالقاع القرق، والدنيا تمنع حطامها. تحلت القيان، بالعقيان. والحرائر، يحتزمن بالمرائر، بشطين، ويحتطبن، يصدن اليعقوب، بعد القرط المعقوب، والجبان ينسفر، والشجاع يسفر، إذا أبدت الكاعب خدامها. هذا يوم ضريبٍ، ليس بمريبٍ، شمسه طالعة وظبيته ظالعة، إن أطلقتها فحسنة غير مؤذيةٍ، وإن أوثقتها فطيبة مغذية، لكن أبو مدقة إن أكلت فخبيثاً أكلت، وإن أرسلت فعدواً أرسلت، وربك يجلو عن الأرض ظلامها. حان من حان، إن القارتين لتسبحان، ذات الهام، وذات السهام، والله سدد للرامية سهامها. جربت وتغربت، فوددت أني في الضياء والسدف، أغلقت دونى باب جدفٍ، حتى يبعث الله الأمم ورمامها. إن الديار جمة البلابل ذات الزفير، لا ذات الصفير، قوض الظعن خيامها. ليس الفقير الخضرم، بأنفع لك من الفقير الضرم، هذا منة لك يقيك، وذاك منة عليك ينقيك، يغسلان الدرن من الغبار، ودنس المآثم الكبار، وتغصك الأيام بالعذب النقاخ. غاية.
تفسير: العلية هاهنا: الفقر. وإمام النفس: ما تأتم به. وأخفينا: كتمنا. واختفينا: أظهرنا؛ قال الشاعر:
وفتية كالذئاب الطلس قلت لهم ... إنى أرى شبحاً قد زال أو حالا
فاعصوصبوا ثم جسوه بأعينهم ... حتى اختفوه وقرن الشمس قد مالا
يقال خفاه يخفيه واختفاه إذا أظهره؛ ومنه قيل للنباش مختفٍ لأنه يظهر الميت. وارتعوا: من رتعت الماشية وهو أن تذهب وتجئ في المرعى.
والعرض: الوادي. والإسحل والنعض: شجران من شجر المساويك. وحى هلاً: كلمة تقال في معنى هلم؛ وهي حى جعلت معها هلاً التي تستعمل في الزجر للخيل وغيرها؛ قالت ليلى الأخيلية تخاطب النابغة الجعدي:
عيرتني داء بأمك مثله ... وأي حصانٍ لا يقال لها هلا
وكأن هلاً تستعمل في دعاء الخيل؛ وقال ابن أحمر في إفراد حي:
فقام يسأله عن شأن رفقته ... فقال حي فإن الركب قد ذهبا
ومنه قولهم: حي على الصلاة. وقال بعضهم هي كلمة يراد بها الحث. واحتدم الحر إذا اشتد وكذلك احتدمت النار؛ قال ساعدة بن جؤية الهذلي:
ظلت صوافن بالأرزان صاويةً ... في ما حقٍ من نهار الصيف محتدم