وَالثَّالِث أَنه لم يبين فِي الْكَبَائِر قدر الْعُقُوبَات وَمَعْلُوم أَن الله نفى أَن يجزى فِي السَّيِّئَات إِلَّا مثلهَا وَمثل الشّرك والمعاندة إِنَّمَا هُوَ التخليد وَلَا ريب أَن لَيْسَ بمعاند وَلَا مُشْرك لَهُ فِي الْعِبَادَة ذَنبه دون من يفعل ذَلِك بل صِحَة الإعتقاد فِي ذَلِك حمله على الْخَوْف مِمَّا حذره ورجاء مَا أطمعه فِي الإعتقاد وَهُوَ الَّذِي سبق كل شَيْء لكفره هُوَ ومحاه عَنهُ لم يجز أَن يكون قدر ذَنبه قدر الأول فَلم يجز أَن يخلد فِي ذَلِك فَيدْخل فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا الْكَذِب فِي الْوَعْد حَيْثُ قَالَ {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} وَمَعْلُوم أَن الْكَافِر المعاند لَو جمع عَلَيْهِ جَمِيع مَا يُعَاقب بِهِ على شَرط النجَاة والراحة يحْتَمل ويختاره فَثَبت أَن مثل سيئته هُوَ الخلود فِي الْعَذَاب فَإِذا عذب بِمثلِهِ من كَانَ ذَنبه دونه كَانَ جازيا أَكثر من مثله وَهُوَ مَا يُعَاقب بِمَا يرتكب وَفِي الْحِكْمَة عُقُوبَته وَهَذَا مِمَّا يمْنَع الْحِكْمَة وَالله الْمُوفق
وَالثَّانِي إِنَّه مَعْلُوم أَن الَّذِي يُقَابل الْجُحُود والمعاندة من الْخَيْر أعظم وَأجل من الَّذِي يُقَابل مَا كَانَ فِي قبُوله أَن يفعل من التّرْك على نَحْو مَا كَانَ الْجُحُود والمعاندة من الآخر فجَاء بِالَّذِي هُوَ فِي الْخَيْر أعظم الْخَيْر وَفِي الشَّرّ لم يبلغ نهايته فَإِذا خلده فِي النَّار أبطل ثَوَاب أفضل الْخيرَات بإرتكاب مَا دونه من الشَّرّ ورد ذَلِك وصف الْجُود لَا الْعدْل وَالْعدْل أَن يزِيد فِي ثَوَاب مَا جَاءَ بِهِ على عِقَاب مَا أَتَى بِهِ وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ قد أخبر أَنه يجزى الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا وَفِي هَذَا لم يبلغ الْمثل فِي الْحَسَنَة وَلَا قصر على الْمثل فِي السَّيئَة جلّ الله عَن ذَلِك وَتَعَالَى
واستدلال من اسْتدلَّ بترك الْفِعْل على الْكَذِب فِي الأول محَال فَاسد لِأَن فِي عقل كل وَاحِد لُزُوم اتقاء الْكَذِب كَمَا فِي الْقبُول إبقاؤه ثمَّ لم يصر وجوده دَلِيلا على كذب عقله لما فِي عقله مَنعه وَإِن تعدى ذَلِك فَمثله فِي قبُول وَقت