على أَن نَدم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن على مُبَاح وَإِنَّمَا كَانَ ندمه على فعل لم يُؤمر بِهِ وَالْأَفْعَال قبل الشَّرْع انما هِيَ مُطلقَة لَا غير فَإِن الْمُبَاح يَقْتَضِي مبيحا فَإِذا لم يثبت شرع فَلَا مُبَاح وَلَا مُبِيح
وَهَذَا أوسع فِي عذر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ لم يكن مَشْرُوعا لَهُ عِنْدَمَا قَتله وَإِن كَانَ قد الْتزم شَرِيعَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام على وَجه من الْوُجُوه فَتخرج لَهُ على الْوَجْه الْمُتَقَدّم
وَأما قَوْلكُم إِن الله تَعَالَى عاتبه عِنْد الْمُنَاجَاة على قتل القبطي فَبَاطِل وَإِنَّمَا عدد ربه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمقَام الْكَرِيم نعمه السالفة عَلَيْهِ وآلاءه العميمة فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ أَوْحَينَا إِلَى أمك مَا يُوحى أَن اقذفيه فِي التابوت} إِلَى قَوْله تَعَالَى {واصطنعتك لنَفْسي} ثمَّ ذكر لَهُ من جُمْلَتهَا كَيفَ نجاه من كيد فِرْعَوْن وغم كَانَ فِي قلبه من أجل طلبه إِيَّاه حِين فر بِنَفسِهِ مِنْهُ
وَلَو عاتبه ربه على ذَلِك لخرج لَهُ مخرج مَا قدمْنَاهُ من عتاب الله تَعَالَى لأنبيائه على بعض الْمُبَاحَات من غير أَن يلْحق بهم ذَنْب وَلَا عتب
وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لفرعون {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} فيعني بِهِ أَنه كَانَ عِنْدَمَا قَتله من الغافلين الْغَيْر مكلفين فَكَأَنَّهُ يَقُول لَهُ فعلتها قبل إِلْزَام التَّكْلِيف وَإِذ كنت غير مُكَلّف فَلَا تَثْرِيب عَليّ فَإِنَّهُ لَا يَقع الذَّنب وَالطَّاعَة إِلَّا بعد ثُبُوت الْأَمر وَالنَّهْي وَالدَّلِيل على أَن ضلال الْأَنْبِيَاء غَفلَة لَا جهل قَوْله تَعَالَى لنبينا عَلَيْهِ السَّلَام ووجدك ضَالًّا