الرابع: ترك الفخر بالإباء وعدم التعويل عليهم من غير اكتساب للفضائل الدينية، فقد قال الله تعالى:(إن أكرمكم عند الله اتقاكم) . وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أي الناس أكرم؟ فقال أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وروى العسكري والقضاعِي وغيرهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. وهو في صحيح مسلم في جملة حديث. وجاء عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الإشارة إلى سلوك التواضع، وإطراح المفاخر، قوله: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد، وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، هون عليك فلست بملك إنما أنا عبد.
وأخرج الدارمي وغيره، عن عياض بن حمار، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر بعضكم على بعض. وقد جاء في أحاديث كثيرة حثه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل بيته على خشية الله واتقائه وطاعته، وتحذيرهم ألا يكون أحد أقرب إليه منهم بالتقوى يوم القيامة، وإن لا يؤثروا الدنيا على الآخرة اغتراراً بنسبهم، كما في حديث أبي هريرة، قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاجتمعوا قريشا فعم وخص، فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً تسابلها ببلالها؛ أخرجه مسلم في صحيحه وكذا البخاري بدون الاستثناء.
وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا بني هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على صدورهم وتأتوني بالدنيا على ظهوركم لا أغني عنكم من الله شيئاً؛ أخرجه أبو الشيخ وابن حبات. وحديث معاذ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ثم التف إلى المدينة فقال: أن أهل بيتي لا يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك.. إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ، وهو عند احمد في مسنده بلفظ: إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا، وعن الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا، قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأهل بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعاً بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير عمل بطاعته، لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه وأمه، وإني أخاف إن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن منا أجره مرتين أخرجه الطائي في أواخر الحديث الرابع من أربعينه، ولله در القائل:
لعمرك ما الإِنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الشرك الشقي أبا لهب
فما الحسب الموروث إن در دره ... لمحتسب إلا بآخر مكتسب
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الخطب
وجاء عن أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه أنه قال:
العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا
لا خير فيمن له أصل بلا أدب ... حتى يكون على ما زانه حدبا
كم من كريم أخي عيٍّ وطمطمة ... فدم لدى الصوم معروفٍ إذا نسبا
في بيت مكرمة آباؤه نجب ... كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا