أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الردية، ويعمره بالأخلاق المرضية، فمن الأخلاق الردية الغل، والحسد، والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش، والكبر، والرياء والعجب، والسمعة، والبخل، والجبن والبطر والطمع، والفخر، والخيلاء، والتنافس في الدنيا، والمباهاة فيها، والمداهنَّة والتزين للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس، والاشتغال عنها بعيوب الخلق، والحمية، والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب، والفحش في القول، واحتقار الناس ولو كانوا دونه، فالحذر الحذر، من هذه الصفات الخبيثة، والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل ير الشر كله. وقد بلي بعض فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات، إلا من عصم الله تعالى ولا سيما الحسد، والعجب والرياء واحتقار الناس. وأدوية هذه الأربعة في كتب الزهد، ومن أنفعها التصفية للإمام يحيى بن حمزة عليه السلام، وكنز الرشاد للإمام عز الدين، ومن أخصرها تكملة الأحكام. ومن أدوية الحسد، الفكر في أنه اعتراض على الله تعالى في حكمته المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة، مع أنه محض ضرر على الحاسد يجلب له الغم، وتعب القلب، وتعذيبه بما لا ضرر فيه، على المحسود. ومن أدوية العجب، تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم، فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال، لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين:(وما ذلك على الله بعِزيز) ، (فأمنوا مكر الله) . ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله تعالى يطلعهم على نيته، وقبح سريرته. كما صح في الحديث، من سمع سمع الله به، ومن رأيا رأيا الله به. ومن أدوية احتقار الناس، تدبر قوله تعالى:(لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم) الآية، (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، أن أكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) . وربما كان المحتقر أطهر عند الله قلباً وأزكى عملاً، وأخلص نية كما قيل: أن اللهّ تعالى أخفى ثلاثة في ثلاثة، وليه في عباده، ورضاه في طاعته، وغضبه في معصيته، مع أن احتقار عباد الله مجرد خسران يورث الذل لفاعله.
وفي خبر للحارث بن معاوية: أنه سأل عمر عن القصص، وأن عمر قال له أخشى عليك أن تقص فترتفع في نفسك، ثم تقص فترتفع في نفسك، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك. رواه الإمام أحمد، والحارث ابن معاوية وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح.
ومن الأخلاق المرضية دوام التوبة، والإخلاص، واليقين، والتقوى، والصبر، والرضى، والقناعة، والزهد، والتوكل، والتفويض، وسلامة الباطن، وحسن الظن، والتجاوز، وحسن الخلق، ورؤية الإحسان، وشكر النعمة، والشفقة على خلق الله والحياء من الله ومن الناس. ومحبة الله تعالى هي الخصلة الجامعة لمحاسن الصفات. وإنما يتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) .
[العاشر:]
دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد؛ والمواظبة على وظائف الأوراد عبادة وقراءة وافرة ومطالعة وفكراً وتعليقاً وحفظاً، وتصنيفاً وبحثاً ولا يضيع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة من أكل، أو شرب، أو نوم، أو استراحة لملل، أو أداء حق زوجة، أو زائر، أو تحصيل قوت وغيره، مما يحتاج إليه أولاده أو غيره، مما يتعذر معه الاشتغال، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة لها. ومن استوى يوماه فهو مغبون.
وقال المزني سمعت الشافعي يقول: سُئل بعض السلف، ما بلغ من اشتغالك بالعلم؟ قال: هو سلوتي إذا اهتممت، ولذتي إذا سلوت. قال: وأنشدني الشافعي لنفسه:
وما أنا بالغيران من دون أهله ... إذا أنا لم أضح غيوراً على علمي